السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
~*~الله يدعو الكون كله للتوبة~*~
إن الله – عز و جل – دعا الناس جميعا إلى التوبة الصادقة.
فلقد دعا المشركين إلى التوبة، فقال تعالى : ((فَإِنْتَابُوا و أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَ آتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فيالدِّينِ وَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) (التوبة:11)
و دعا إليها أهل الكتاب من اليهود و النصارى الذين قالوا : ((إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ و نحنُ أغْنِيَاءُ )) (آل عمران:181)
و الذين قالوا : ((يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ )) (المائدة :64) فقال الله عزَّ و جل : ((أفَلاَ يَتُوبُونَ إلى اللهِ و يَسْتَغْفِرُونَهُ و اللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (المائدة :74) ....
و دعا المنافقين إلى التوبة، فقال تعالى : ((إلاَّالَّذِينَ تَابُوا وأصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا وَ أخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِفَاُولَئِكَ معَ المُؤْمِنِينَ و سَوْفَ يُؤْتِ اللهُ المُؤْمِنِينَأَجْرًا عَظِيمًا )) (النساء: 146)
و دعا إليها المسرفين على أنفسهم بالمعاصي من أمّة الحبيب صلى الله عليه وسلّم فقال تعالى
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَاتَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَجَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) (الزمر:53) كما دعا إليها المؤمنين الصادقين.
فأمر الله عزَّ و جل أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم بالتوبة بعد إيمانهم و هجرتهم و صبرهم، فقال تعالى: ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) (النور:31)
بل فتح الله باب التوبة لأصحاب الكبائر ليتوبوا، فقال تعالى: ((إِنَّمَاجَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِيالأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌعَظِيمٌ )) (المائدة:33)
و على الرغم من تلك الجرائم و الكبائر إلا أن الله – جلّ و علا – فتح لهم باب التوبة، فقال: ((إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) (المائدة:34)
وهاهم أصحاب الأخدود الذين حرَّقوا المؤمنين و المؤمنات، و ظلموهم بلا ذنباقترفوه سوى أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، ... هؤلاء الذين فرقوا بينالأم و ولدها، و قذفوا و لدها أمام عينيها في النار، و جلسوا يتلذذونبمشاهدة الوؤمنين، و هم يموتون في النيران، و على الرغم من ذلك يفتح اللهلهم باب التوبة ليتوبوا، قال تعالى : ((إِنَّالَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوافَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ )) (البروج :10)
فقوله تعالى : ((ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا)) يفيد أنهم لو تابوا لتاب الله عليهم.
و هاهم أهل الشرك و القتل و الزنا يفتح الله امامهم باب التوبة، فيقول: ((وَالَّذِينَلا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَالَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْيَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَالْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا)) ، ثم بعد ذلك يفتح الله لهم باب التوبة و يقول : ((إِلَّامَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُاللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَ عَمِلَ صَالِحًا فَإنَّهُ يَتُوبُ إلى اللهِ مَتَابًا )) (الفرقان:68-71)
وهؤلاء الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات يفتح الله أمامهم باب التوبةليتوبوا و يقيموا الصلاة ويتركوا الشهوات و يُقبلوا على فعل الطاعات،....قال تعالى : ((فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌأَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوفَ يَلْقَوْنَغَيًّا * إلاَّ منْ تَابَ و آمنَ و عَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ و لاَ يُظْلَمُونَ شَيْئًا )) (مريم:59-60)
ومع كل هذه الأمثلة التي تُثلج الصدور لسعة رحمة الله –جلّ و علا—إلا أننالا ينبغي أن نتهاون بعواقب الذنوب و المعاصين فإن الله كما وصف نفسه بأنهغفور رحيم، فقد وصف نفسه بأنه شديد العقاب، فقال : ((اعْلَموُا أنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ وَ أنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) (المائدة: 98)
وقال سبحانه و تعالى : ((غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ... )) (غافر:3)
وقال سبحانه و تعالى : ((نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيم * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ )) (الحجر: 49-50)
فقد يستصغر الانسان ذنبا و هو عند الله عظيم، ..... قال تعالى : ((وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَ هُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ))
خل الذنوب صغيرها و كبيرها ذاك التُّقى
و اصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقِرنَّ صغيرة.. إن الجبال من الحصى
قال الله تعالى : "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ياابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ياابن آدم إنك لوأتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" حديث حسن رواه الترمذي
و قال صلى الله عليه وسلم : "إن الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الآخر نزل إلى السماء الدنيا فنادى هلمن مستغفـر؟ هل من تـائب ؟ هل من سـائل ؟ هل من داع ؟ حتى ينفجر الفجر" حديث صحيح رواه مسلم
انظر إلى كرمه: أبواب العباد مغلقة و مفاتيح الأبواب بيديه و بابه مفتوح لمن دعاه . ((أَمَّّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذَا دّعَاهُ )) (النمل:62)
من ذا الذي أمّله لنائبة فقطع به دونها . . . . أم من ذا الذي رجاه لعظيم جُرمه فلم يغفر له. قال صلى الله عليه وسلم : "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغـرغـر" حديث حسن رواه الترمذي
يا ابن آدم : إنك إذا آمنت به و لم تشرك به شيئا أقام حملة عرشه و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون لك و أنت على فراشك.
"إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" حديث صحيح رواه مسلم
يا ابن آدم : أنين المذنبين أحب إليه من تسبيح المُدلِّين.
يا أخي يا أختي: أي إحسان أعظم من إحسان من يبارزه العبد بالمعاصي و هو يمده بنعمه ويعامله بألطافه، و يُسبِلُ عليه ستره، و يحفظه من خطفات أعدائه يحول بينهمو بينه ؟ و هو في ذلك كله بعينه يراه و يطلع عليه. فالسماء تستأذن ربها أنتحصبه، و الأرض تستأذن ربها ان تخسف به و البحر يستأذن أن يُغرقه كما وردفي الأثر :
<<ما من يوم إلا و البحر يستأذن ربه أن يُغرق ابن آدم، و الملائكة تستأذن انتعالجه و تهلكه، و الرب تعالى يقول : دعوا عبدي فأنا أعلم به، إذ أنشأتهمن الأرض إن كان عبدكم فشأنكم به . . . . لو خلقتموه لرحمتموه . . . وعزّتي و جلالي إن أتاني ليلا قبلته و إن أتاني نهارا قبلته . . . .>>
من كتاب لا تحزن و ابتسم للحياة للشيخ محمود المصري -حفظه الله-
أختي أبعد كل هذا و تقولين ربما ربي لا يغفر لي و لا يسامحني . . .
كلما قرأت هذه الكلمات أشعر برحمة الله الواسعة و بعظمته و بعظيم حلمه علينا
سبحان الله... ما أرحم و أحلم الله بنا نعصيه و مع ذلك يتودد إلينا و يرحمنا و يغفر لنا
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه