في الـ18 من ديسمبر (كانون الأول) عام 2012 خرجت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية بتقرير صادم مفاده أن «اللادينية» أصبحت ثالث أكبر مُعتقد في العالم بعد المسيحية والإسلام. التقرير الذي أثار الكثير من الجدل حينها، أوضح أن المسيحية هي الديانة الأكبر في العالم من حيث عدد المنتسبين إليها، والذي يُقدر بـ 2.2 مليار نسمة، أي ما يعادل 31.5% من عدد سكان العالم، يليها الإسلام بـ1.6 مليار نسمة أي 23% من سكان العالم، بينما ارتفع عدد غير المعتقدين بالأديان ليصل إلى 1.1 مليار نسمة. قبل طرح السؤال الرئيس عن ما الذي دفع هذا العدد الهائل من الناس للتخلي عن اعتقادهم بالأديان، ينبغي توضيح أن اللادينية لا تعني بالضرورة الإلحاد، وإنما تشمل اللاأدريين (Agnostics) والمعتقدين بروحانيات معينة أيضًا، وهي غير مرتبطة بممارسة أي اعتقاد دينيّ معروف. وكمحاولة للإجابة عن هذا السؤال نرصد هنا بعضًا من أهم المشاهير اللادينيين والملحدين في العلم والفن والسياسة والرياضة، جميعهم على قيد الحياة، وأعلنوا على الملأ عن اعتقاداتهم. ستيفن هوكينغ: «لا.. لا يوجد إله»
إن لم تكن قرأت عنه، فبالتأكيد صادفتك صورته الشهيرة على مقعده المتحرك ذات يوم على مواقع الإنترنت. عالم الفيزياء الأشهر على مستوى العالم «ستيفن هوكينغ»، البرفيسور الإنجليزي البالغ من العمر 74 عامًا، والحاصل على الدكتوراة من جامعة كامبريدج، عُرف بإسهاماته الكبيرة في مجال الفيزياء النظرية كما نُشرت له الكثير من الأبحاث في العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، ودراسات في التسلسل الزمنيّ. أُصيب ستيفن هوكينغ في سن مبكرة بمرض نادر، هو «التصلب الجانبي الضموري»؛ ما جعله عاجزًا عن الحركة والكلام، وتنبأ الأطباء عام 1963 بموته بعد عامين، إلا أنه حقق معجزة طبية، وظل على قيد الحياة حتى يومنا هذا، محققًا إنجازات كبيرة في علوم الفيزياء والكون. ويتواصل هوكينغ مع العالم من خلال نظام حاسوب خاص، طورته شركة إنتل للمعالجات الرقمية، يستطيع من خلاله هوكينج تحريك الكرسي الجالس عليه وترجمة أفكاره للعالم، من خلال صوت مولد إلكتروني داخل الحاسوب. ألف هوكينغ العديد من الكتب ذائعة الصيت، أبرزها «تاريخ موجز للزمن» عام 1988، و«تاريخي الموجز» عام 2013، كما حاز على العديد من الجوائز والأوسمة، أبرزها قلادة «ألبرت أينشتاين» (1979) والميدالية الذهبية للجمعية الفلكية الملكية (1985) ووسام الإمبراطورية البريطانية (1982). موقف هوكينغ من الأديان
«لا يوجد إله، إنها قصة خرافية» *هوكينغ في حديثه للجارديان 2011. بعد رحلة طويلة من الغموض في موقفه الدينيّ، أعلن هوكينغ على الملأ أنه ملحد في حديث مع الموندو الإسبانية عام 2014. يرى هوكينغ أن العلم وحده يمكنه أن يفسر كل ما في هذا الكون، وأنه لا حاجة للإيمان بأن هناك إلهًا خالقًا، بينما يمكن لقوانين الفيزياء أن تفسر الكثير من الظواهر في الكون. العلم إذن هو البديل الذي يطرحه هوكينغ للإيمان، وبرأيه فإنه كما فسرت نظرية التطور نشأة الحياة من الجانب البيولوجيّ، فإن الفيزياء قادرة على تفسيرها من الجانب الكونيّ. وعن الأسباب التي دفعته لهذا الاعتقاد، فإن هوكينغ يرى أن قصة الخلق الدينية، والحياة بعد الموت والجنة والنار، ما هي إلا قصص خرافية وغير مقنعة له على الإطلاق، بحد وصفه. يقول هوجينج «عندما يسألني الناس عن ماذا لو أن الله هو الذي خلق الكون، أخبرهم أن السؤال نفسه غير مقنع، فالزمن لم يكن موجودًا قبل الانفجار الكبير، لذا لم يكن هناك وقت للإله كي يخلق هذا الكون، إنه أمر شبيه بالسؤال عن ماذا يقع في حافة الأرض، بينما الأرض كروية وغير مسطحة، فليس لها حافة على الإطلاق، إنه سؤال عقيم». إذًن لماذا نحن هنا؟ وهل تخاف من الموت؟ يجيب هوكينغ على هذين السؤالين بأن دورنا في الحياة هو رؤية القيم الأسمى من كل الأفعال، وأن ننحاز إلى الجانب الأخلاقيّ الأعلى قيمة في كل شيء. أما عن الموت، فيجيب بأن الأطباء قد توقعوا له منذ 49 سنة أن يظل عامين فقط على قيد الحياة، بينما هو مستمر في الحياة حتى الآن، لذا لا يخاف الموت، إلا أنه في نفس الوقت، ليس متعجلًا للذهاب إليه، مشيرًا إلى أن لديه الكثير من الأشياء ليفعلها قبل أن يموت. بعد كل ما سبق يبرز السؤال الأهم: من الذي أوجد هذا الكون؟ «يتنبأ العلم بأن هناك أنواعًا مختلفة من الأكوان يمكن أن تنشأ من اللاشيء، إننا هنا بمحض الصدفة» *هوكينغ. الصدفة إذن هي العامل الذي أوجدنا في الحياة برأي هوكينغ، وقد شبه أيضًا مخ الإنسان بالكومبيوتر الذي سيتوقف عن العمل بعد فترة ما، حين تتوقف كل مكوناته، لا حاجة لقصة دينية لإيقاف هذا الكومبيوتر برأيه، بل إن الناس اعتقدوا هذا لأنهم خائفون من الظلام. يقول هوكينغ «قبل عصر العلم من الطبيعيّ أن تؤمن بالإله كخالق لهذا الكون، لكن العلم الآن يقدم تفسيرًا أكثر إقناعًا، ما عنيته من جملة عقل الإله في كتابي «تاريخ موجز للزمن» أن نعرف كل ما يعرفه الإله لو كان هناك إله، لكنه لا يوجد، لذا أنا ملحد». مورجان فريمان
أحد أبرز نجوم هوليود على مدار تاريخها، وصاحب الصوت المميز للغاية، والحائز على جائزة الأوسكار، أعلن صراحًة في أكثر من مناسبة عن عدم إيمانه بوجود إله لهذا الكون. وُلد فريمان عام 1937 بولاية تينيسي الأمريكية لوالدة مسيحية متدينة كانت تحرص على الذهاب للكنيسة بصورة متكررة للصلاة، ووالد غير متدين كان يرفض الذهاب مع والدته للكنيسة؛ حتى لا يسمع أطنانًا من الخرافات على حد وصف مورجان فريمان نفسه عن والده. لم يسطع نجم فريمان في عالم هوليود، إلا بعد أن تجاوز الخمسين من عمره، واشتهر بأدواره المميزة، مثل دوره في فيلم «The Shawshank Redemption» (1994) الذي ترشح عنه للأوسكار وفيلم «« se7en (1995) وفيلم «million dollar baby» ((2004 والذي حصل بسببه على جائزة الأوسكار كأفضل ممثل مساعد. كذلك قدم فريمان العديد من السلاسل الوثائقية الشهيرة، مثل «عبر الثقب الدودي» والسلسلة الأبرز له «قصة الإله». مورجان فريمان يحكي فريمان عن تجربته مع الأديان، وكيف خلُص إلى حقيقة أنه لا يوجد إله، فيقول «إننا نحن البشر من اخترع الإله، وأنه لو كان يؤمن بالإله، وهو بالفعل يفعل ذلك، فإنه هو نفسه الإله». تلك الفكرة ترجمها فريمان عمليًا في الفيلم الشهير «Bruce Almighty» والذي قام فيه بدور الإله المتحكم في هذا العالم. في مقابلة صحافية له، أوضح فريمان أنه يصعب عليه تصنيف نفسه بين ملحد أو لاأدريّ، إلا أنه في كل الأحوال يرى أن الإله اختراع بشريّ بحت، وأن العلم قادر على تفسير كل شيء حوله. ماذا عن الخير والشر والموت والحياة؟ تلك الأسئلة الوجودية التي دائمًا ما يتم طرحها على اللادينيين، يجيب مورجان أنه يعتقد أن الشر لابد منه؛ لأنه إن تم القضاء عليه، فسوف يُقضى على الخير أيضًا، إذ إن كلاهما موضح للآخر، فأنت لا تدرك اليسار، سوى لأن هناك يمين. ولا يُخفي فريمان فزعه من فكرة الموت، ورغبته في أن يحيا لمدة طويلة، مشيرًا إلى أنه بالنظر لما قبل 100 عام فقط، اخترع «الأخوان رايت» الطائرة، ولذا فإن الفضول يدفعه لتمني العيش، ومعرفة ما قد يحدث بعد 200 عام من تطور وتقدم تكنولوجي وحضاري كبير.
في السلسلة الشهيرة «قصة الإله» طاف فريمان حول العديد من بلدان العالم، وطرح الكثير من التساؤلات عن منشأ الاعتقاد بالإله، وكيف يتفاوت الناس في عقائدهم وإيمانهم وتصوراتهم عن الإله. لكن فريمان أكد أن السلسلة لم تؤثر على اعتقاده في شيء، وأنه لا يزال متمسكًا باللادينية، غير أنه لا ينكر تغيير الكثير من المفاهيم الخاصة به عن الأديان، وأن السلسلة قد أضاءت له الكثير من الأمور في عقله. جوليا جيرارد: أحترم الأديان ولا أعتنقها
تُعتبر «جوليا جيرارد»، رئيسة الوزراء الأسترالية السابقة، وأول امرأة تتولى هذا المنصب، وأول شخص غير متزوج يصل لرئاسة الوزراء في هذا البلد، وذلك في الفترة بين عامي 2010 و 2013. بُعيد انتخابها رئيسة للوزراء عام 2010، أدلت جيرارد بحديث صادم أوضحت فيه عدم إيمانها بالأديان، وذلك عقب ساعات من تصويت ملايين الناخبين المسيحيين لها؛ مما أثار الكثير من الجدل، إذ إن موقفها الديني كان غير معروف قبل الانتخابات. وفي مقابلة إذاعية سُألت جيرارد عما إذا كانت تؤمن بالإله؛ فأجابت: «لا، لا أؤمن بالإله، أنا غير دينية» وأشارت جيرارد إلى أنها نشأت في أسرة مسيحية، وكانت تحرص على الذهاب للكنيسة، بل إنها حصلت على جائزة؛ لتذكرها كثيرًا من آيات الإنجيل، لكن مع تقدمها في السن اختارت طريقًا آخر، وهو ترك الإيمان بالدين. رافائيل نادال: لا أحب الحديث عن هذا الأمر
أسطورة التنس الإسبانية الحاصل على 14 بطولة جراند سلام، الذي تربع لفترات طويلة على عرش التصنيف الدولي للاعبي التنس، ويتوقع كثيرون له أن يصبح أفضل لاعب تنس في التاريخ مستقبلًا. وُلد نادال عام 1986 بإسبانيا لعائلة مسيحية، وأشرف عمه توني نادال على تدريبه، وحصد تحت قيادته الكثير من الألقاب. بالحديث عن اعتقاده الديني أظهر نادال تبرمه من السؤال في مقابلة صحافية سابقة، إلا أنه أوضح باقتضاب عدم إيمانه بالإله. يقول نادال «لو كان هناك إله، فإني أحب أن أؤمن بذلك، لكني أجد صعوبة بالغة في تصديق هذا. لا أحب الحديث عن الأمر، لكن كل ما أقوله إنه لو كان هناك إله، فإنه لن يكون بحاجة لصلب نفسه، وأعتقد أنه من الذكاء الكافي أن يفعل الأشياء الصحيحة والهامة، هذا لو كان له وجود». إذن لماذا ألحدوا؟ بالعودة إلى السؤال الرئيس في عنوان التقرير، وفي محاولة لإيجاد الأسباب الواضحة التي دفعت بـ1.1 مليار إنسان للتخلي عن اعتقاداتهم في الأديان، دعونا نلقي نظرة على تقرير ديلي ميل، والتوزيع الجغرافي للادينيين. توضح الصحيفة أن الصين هي أكبر بلد في العالم من حيث عدد اللادينيين، تليها اليابان، ثم الولايات المتحدة الأمريكية، ومع توضيح أنه يصعب حصر كل الأسباب التي يرى الملحدون أنها دفعتهم لخيارهم في تقرير واحد، لكننا سنرصد أبرزها: 1 – العلم من وجهة نظر ستيفن هوكينغ، فإن العلم وحده قادر على تفسير كل شيء حولنا، وبالرغم من اعترافه أنه لا تزال هناك الكثير من المعضلات والحقائق التي لم يتوصل إليها العلم بعد، فإن هوكينغ لا يزال يصر على أنه لا ينبغي أن نستبق تلك الأسرار وننسبها للإله، في حين أن العلم قادر على تفسيرها مستقبلًا. 2- عدم كفاية الأدلة يوضح «أريان فوستر»، لاعب فريق كرة القدم الأمريكية «هيوستن تكسانس» أن أدلة الإيمان غير مقنعة كفاية له كي يؤمن، وهو نفس الرأي الخاص بمورجان فريمان الذي يعتقد أن البشر هم من اخترعوا الإله. 3- رفض الترهيب والخوف الكثير ممن تخلوا عن اعتقادهم كان ذلك بالنسبة لهم بسبب فكرة التخويف والترهيب الموجودة في الأديان، كما أوضحت الممثلة الإنجليزية الشهيرة «كيرا نايتلي». تقول كيرا: إنها لا تُحب فكرة أن تكون دائمًا مذنبة، وأن تطلب الغفران، وهو نفس الرأي الذي قاسمته إياها الممثلة الإنجليزية «إيما ثومبسون»، إذ قالت في مقابلة صحافية إنها ملحدة، وإنها تعتبر الأديان مقرًا للخوف والترهيب، وأن هناك الكثير من الآيات التي لا تقنعها في الكتب الدينية. ا لممثلة الإنجليزية كيرا نايتلي
4- التجربة السيئة مع المتدينين
أحد أكبر الأسباب التي دفعت الكثيرين للإلحاد هي نشأتهم في وسط ديني؛ سبب لهم أذىً ماديًّا أو نفسيًا، كما يوضح الكاتب أوستين كلاين في موقع «about religion». يضيف الكاتب أن هناك الكثير من النماذج التي استغلت الدين لإلحاق الضرر بالبشر، وللحصول على مكاسب ومصالح شخصية، مثل رجال الدين والحركات «الراديكالية» المتطرفة.
5- العامل العاطفي في الأزمات والكوارث
بالبحث عن «سيكولوجية» الإلحاد أو التخلي عن الاعتقاد في الدين، يطرح الموقع الشهير «psychology today» تقريرًا يوضح فيه أن الجانب العاطفي، كان له دور كبير في تحول كثير من الناس إلى اللادينية، ويشير الموقع إلى أن حوالي 44% من الأمريكيين اللادينيين كان العامل العاطفي حاضرًا وبقوة في قرارهم بالتخلي عن الدين، ويوضح الموقع أن رؤية الأزمات والكوارث اليومية التي تحل بالبشر، مثلت عاملًا هامًا في هذا القرار بالنسبة لهؤلاء.