15.04.22 3:38 | زوبعه في قلب أخضررقم المشاركة : ( 1 ) |
عضو vip
إحصائيةالعضو | | | عدد المساهمات : 2390 | نقاط : 61303 |
|
| موضوع: زوبعه في قلب أخضر زوبعه في قلب أخضرما أن تسحب الشمس آخر أشعتها, وترمي الظلمة بثقلها على المكان, حتى تستعر في رأسها هواجس مقيتة, ويتكرّر شريط صور تلك الليلة المشؤومة . تحاول أن تهرب منها فيطوّقها المنظر ببشاعته و قتامته . تقضي الليل مكوّمة فوق السرير , ممزّقة بين مشاعر الحب و الكره , الإيمان و الكفر . ترقب أختها و أخاها الصغير غارقين في النوم . تحسدهما على خلوّ البال . أحيانا ينهمر دمعها حين تمر بها ذكرى والدها يوم كان هنا, و كان البيت مملكة للحب و الفرح , و كانت هي الأميرة . لم تقصّر أمها في شيء . إحتضنت يتمهم و غمرتهم بفيض من الحنان و لكن, الآن تتمنى لو تدغدغ خديها قبلات أبيها , لو يحتضنها و تبكي على صدره . أصبحت ' نسرين ' تكره الليل . يرعبها مجيئه , تتمنى لو أنه لا يأت أبدا
.تنتابها حالة من الهلع , تلازمها مذ ضرب زلزال المشهد أعماق ذاتها, فاهتزّت أعوامها الخمسة عشر و امتدّت الشروخ, لتفتّت صرح الثقة و الأمان الذي كانت تقف عليه . من يومها لم تعد تنام . كم تتمنى لو تضع رأسها على الوسادة فلا تصحو أبدا , أو أنّ النهار يكون بلا غروب .النهار أرحم . يحرّرها من شرنقة التفكير, و ما بين المدرسة و الزملاء و الكتب تحاول أن تنسى أو تتناسى , رغم أنّ ما طرأ عليها من تغيير أصبح يثير الإنتباه . اليوم فقط نهرتها أستاذة الرياضيات على مرأى و مسمع من الجميع : - ما هذا الشرود نسرين ؟ و ما بال نتائجك تتقهقر في المدة الأخيرة ؟ و تضع التي تجلس بجوارها كفها على فمها, لتكتم ضحكة ساخرة و تستدير إلى زميلتها في الخلف : - أترين . حتى الأستاذة انتبهت لذلك . ألم أقل لك أن في الأمر سر ؟!! تجيبها الأخرى بنبرة إستفزازية : - إنّه الحب يا أختي , نسرين غارقة حتى أذنيها .لا تريد أن تحكي لنا ما حصل بينها و بينه . تلوذ نسرين بالصمت . وجهها يغلّفه الإنكسار و عيناها انطفأ فيهما بريق الصبا ليترك غبشا من كآبة . تدقّق في الكتاب المفتوح أمامها و لا تراه . لم تهتم لما سمعته , كأّنّ التي يتحدّثون عنها فتاة غيرها , أما في صدرها فتجيش مشاعر الغضب و الحنق , و بقايا طفولةٍ تستغيث , تصرخ , تستنجد ..لماذا يا أمي ؟ لمَ فعلتِ بي ذلك ؟ في نهاية الحصة نادتها الأستاذة : - نسرين , ما بك ؟ إعتبريني مثل والدتك .هل هناك مشكلة ؟ لا .أرجوك . لا أريدك أن تكوني مثل والدتي . تختلق نسرين بضع كذبات عن خوفها من الإمتحانات و مرض أمّها و صداع يلازمها مؤخرا .. - حسنا . لو أردت الحديث سوف أستمع لك . تدق المسامير رأسها دون هوادة . تأكل الحيرة أطراف فكرها العاجز . أي حديث أستاذتي ؟ و أي لغة سوف أصف بها صدمتي في أحب الناس ؟ من يحمل عني عبء سري ؟ من يريحني ؟ من يشرح لي ما يحدث ؟ مرّات كثيرة صوّر لها خيالها ما سيكون لو يتجاوز السر حدود صدرها , سيتفرّع الخبر و تصبح أمها مادة للثرثرة . سوف تلوكها ألسنة المدينة دون رحمة . ليت الأرق لم يوقظها من نومها تلك الليلة . ليتها لم تفتح باب غرفتها , وليتها لم تسمع صرير الباب الخارجي الذي أثار فضولها و خوفها فقامت متجهة إلى البهو . لكنها لم تستطع أن تخطو خطوة أخرى . سمّرها المنظر على عتبة الباب . أغمضت عينيها و أعادت فتحهما أكثر من مرّة . لم تكن تحلم . أمها بثياب النوم تفتح الباب . و يدخل جارهم . الرجل الطيب المحترم . وقف إلى جانبهم بعد وفاة والدها .ساعدهم في كل شيء
. كم كانت تشعر بالإمتنان نحوه ! كم كانت تراه عظيما ! و الآن تراه بعيون فغرتها الصدمة, يطوّق أمها بذراعيه قبل أن يتسلّلا معا على أطراف الأصابع , كلصين , إلى غرفة النوم . مشهد تكرّر أمام عينيها أكثر من مرّة, ليتحوّل بعدها إلى قنبلة موقوتة استقرّت داخل صدرها . امتزجت دقاتها بدقات قلبها . أصبحت تخشى انفجارها في أية لحظة .في المرة الوحيدة التي تشجّعت فيها و قرّرت المواجهة , تراجعت الكلمات و انحبست في حلقها بمجرد أن التقت نظرتها بنظرة أمّها ..كبيرة أنتِ يا أمي . كيف أجرؤ ؟و لكن, كيف تجرئين ؟ لا زلت أحبك و سأظل أحبك ,و لكن من يعيدك لي نقيّة , بيضاء كما كنتِ ؟و من يعيدني إليك طفلة تتعلّق بأطراف ثوبك , ترى فيك عالما من الكمال و العظمة.
قضت ' نسرين ' شطر الليل منكمشة فوق سريرها . تحرّك جسدها الصغيرفي كل الإتّجاهات قبل أن تغفو مع الهزيع الأخير من الليل , فيريحها النوم من عذاب الأرق لتتلقّفها قبضة الكوابيس . في حدود الساعة الحادية عشر أفاقت مرهقة , و عندما فتحت النافذة و نظرت إلى الخارج رأت سيارته قرب العمارة . . يركنها في المكان نفسه كل جمعة ليتجه للصلاة ..نعم . تديّنه كان محط إكبار من الجميع .تمنّت لو تستطيع نسف السيارة بإشارة من يدها .تمنّت لو تراه داخلها و ترى النيران تلتهم كل جزء فيها ..ربما ساعتها تستطيع أن تنام , ربما تهدأ الزوبعة العارمة في قلبها . و في لحظة فتحت محفظتها و أخرجت ورقة و قلما ,و بيد مرتعشة كتبت " ابتعد عن أمي . . لو فيك ذرّة من الإيمان و الإنسانية أرجوك أن تبتعد عن أمي و عنا جميعا . " طوت الورقة .دسّتها في ثيابها . نزلت السلالم مسرعة . كان الشارع خالٍ تماما . إتجهت إلى السيارة . رفعت ماسح الزجاج و وضعت الورقة هناك و عادت أدراجها .
شعرت بنوع من الإرتياح .و لكن ملامح وجهها كانت صارمة , مخيفة , تستطيع أن تقرأ فيها دون عناء عبارة : " لقد أعذر من أنذر !
|
| |