على طريقة آينشتاين ماذا لو تعلمنا وعلمنا صغارنا ؟!
ليس منا كبشر من لم يولد بفائض فضول وشغف وحب تعلم واستكشاف فطري لكل ما هو موجود أو جديد، فكل طفل هو مشروع عالِم، بل حتى كل رضيع بشكل أو آخر استخدم خطوات البحث العلمي للتوصل إلى نتائج أضافت إلى خبراته الحياتية ومعارفه شيئاً ما. لكن كما يقولون “يظل الطفل أذكى المخلوقات حتى يلتحق بالمدرسة”، ولعل السبب في ذلك استطاع “كارل ساغان” أن يلخصه في مقولة واحدة: “وإني أؤمن بأنّ بوسع المرء أن يقضي على نهم حيوان مفترس في صحة جيدة إن هو أجبره بالسياط أن يأكل بصورة مستمرة سواء كان جائعاً أم لا، وأتساءل عن العدد المحتمل للآينشتاينات الذين ثبطت من هممهم الامتحانات التنافسية، والمناهج الدراسية التي تعطىَ لهم بطريقة الإطعام القسري”.
لماذا آينشتاين دون غيره؟!
آينشتاين قيمة على المستويين العلمي والشخصي، وكموهبة استطاعت إعادة صياغة العالم وتحدي مفاهيم تقليدية سائدة بشجاعة وجرأة مميزة، غني تماماً عن التعريف وإلاّ لم تكن لتشرع في قراءة هذا المقال وتحمست له من العنوان، لكن هذا لم يكن السبب وراء ذكري لآينشتاين دون سواه من العباقرة، إنّما دعونا نشير إلى أهم ملامح حياته الدراسية والعلمية وتلقائياً تلك الأشياء ستلهمنا بالتأكيد لما هو أعمق في أساليب التربية العلمية عموماً وللأطفال خصوصاً، لننطلق منها في رحلتنا لصنع المزيد من الآينشتاينات!
كان آينشتاين طفلًا عادياً تماماً ليس به ما يشي على أي عبقرية وتميز، فهو ولد يتأخر في النطق حتى يقلق والداه، يذهب للمدرسة يصفه معلموه بالبلاهة ويخبره أحدهم أنّه لن يحقق شيئاً، ويتمرد على التعليم النظامي ويفشل به ويطرد من المدرسة ويرفض طلب التحاقه بالجامعة، يلتحق بالمعهد ويتخرج كأي طالب عادي (بفضل تلخيصات صديقه) وأخيراً يتوسط والد أحد أصدقاؤه له ليعمل في أحد مكاتب براءات الاختراع بوظيفة روتينية جداً لكنه يجد فيها فرصة لممارسة الرياضيات، ونحن نعرف الباقي من نتاج ذلك… إذاً فالتعليم النظامي طالما كان العقبة في طريق آينشتاين وحياته العلمية! لذلك فإن كنا نود صنع المزيد من الآينشتاينات فنحن نحتاج إلى أفكار مختلفة، وبادئ ذي بدء؛ من الهام أن أشير إلى أنّ هذه الأفكار هي بمثابة قواعد مشتركة بين نظم تعليم مطورة وأساسات في التربية العلمية للأطفال حسب تجارب لازلو بولغار وهو عالم النفس مؤلف كتاب تربية العباقرة (Bring Up Genius أو ربي عبقري)، والذي بتطبيقه لأفكاره حصل على مجموعة من الأطفال العباقرة، ثلاثة أبطال عالم في الشطرنج، باستور ويت مؤلف كتاب (Education of Carl Wett) والذي بفضل تطويره نظام تعليم منزلي لطفله كارل بداية من عامه الأول كان يكتب ويقرأ الألمانية لغته الأم دون أخطاء في الخامسة، مجيداً لأربع لغات أخرى في التاسعة، وفي الثالثة عشر من عمره كان قد حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة محطماً بذلك الرقم القياسي في موسوعة غينيس كأصغر حاصل على الدكتوراه، و أخيراً الطبيبة منتسوري التي استطاعت بتطبيق فلسفتها المعتمدة على تنمية المهارات الحسية أن تتفوق بأطفال ذوي احتياجات خاصة على أطفال ليست لديهم أي مشاكل لكن بتعليم عادي، والآن لنرى… الأطفال الخارقون… هل هم معجزة أم حصيلة تربية علمية صارمة؟!أهم الأفكار لنصنع مزيداً من الآينشتاينات
أولاً: عملية التعليم تبدأ من 0 يوم في الواقع هذا يعطيكم فرصة حقيقية في بناء شخصية الطفل العلمية، ووضع حجر الأساس لعقله، وتنمية مهاراته وقدراته؛ بخلاف الاعتقاد القديم السائد بأنّه لا يجوز بدء التعليم الأكاديمي للطفل قبل السادسة أو السابعة من عمره، وإلاّ أدى ذلك لأضرار عقلية ونفسية للطفل! ثانياً: آمن بقدرات طفلك واجعله يؤمن بها ف على أي حال لنتفق على عدم أهمية نسب الذكاء الفطرية، فنسبة الذكاء العالية تعني أنّك ستكون الأول على الفصل ولديك مهارات حفظ وتذكر جيدة؛ أي أنّه لا علاقة لها بالعبقرية التي تحددها القدرة على التفكير الخلاق الإبداعي التخيلي، والابتكار وما إلى ذلك من مهارات ربط المعلومات التي يتلخص دورك كولي أمر في تنميتها! فأي كانت نسبة ذكاؤه ثق به واجعله يثق بأنّه يستطيع أن يفعل أي شيء، ويحقق أهدافه مهما كانت كبيرة وتبدو صعبة، وألهمه دوماً بقصص من فعلوها من قبله… “كل ما قلته يمكن تلخيصه في كلمتين فقط…؛ عليك بالثقة في الأطفال، لا شيء أبسط ولا أصعب. صعبٌ لأنّه كي تثق بالأطفال عليك أن تثق بنفسك أولاً، ومعظمنا قد تم إخباره وفي طفولته أنه لا يمكن الوثوق به أبداً” أفلاطون ثالثاً: سخر البيئة لخدمة هدفك كأن تصمم غرفة الطفل بحيث تكون عالمه الخاص المشجع على التفكير الإبداعي، والمكان الذي يحب أن يبقى به لفترة طويلة بداية من اختيارات الألوان للوحات البسيطة الملهمة ذات المغزى، والوسائل التعليمية الممتعة مع مراعاة تجديدها لتتناسب والمرحلة العمرية التي ينتمي إليها الطفل، ومكتبة صغيرة ولا بأس إن امتدّ ذلك ليشمل أرجاء أخرى من المنزل، وحاول الاستفادة من الخروجات والرحلات بأنواعها قدر الإمكان…، الآن البيئة مهيئة للمهمة. رابعاً: وجه اهتمامه وأثر فضوله الطفل طاقة هائلة فماذا لو استغلينا طاقتهم تلك، وشغفهم وسط عالم سبقت تهيئته بكل ما فيه لإثارة فضولهم، وعنينا بشكل أكبر بتعليمهم أساسيات العلوم بالطريقة التي يفهم بها – ولو بشكل مجمل – كيف يسير الكون من حوله الفضاء ونشأة الكون، الرياضيات ولماذا أو فيما نستخدمها، الأحياء، الفيزياء، الكيمياء، صمم مجسمات تساعدك في ذلك، ارسم لوحات، اجر معه تجارب بسيطة وآمنة فالغرض هنا هو فقط أن تحبب إليه التعلم، وإثارة فضوله تجاه تلك الأشياء، وفي مرحلة تالية هو فقط يكون بحاجة لفهم مبادئ تلك العلوم على أن تقدم بطريقة شيقة لا أكثر ولا أقل؛ لتحافظ على حماسه، وما أكثر المبادرات ميدانية كانت أو غيرها التي تسهل على أولياء الأمور تلك المهمة فلا تتردد في انضمام طفلك لها! ملحوظة: استقبل أسئلته في كل ذلك بحماس وتشجيع لغيرها. # تذكر أنّك فقط مدخله إلى اكتشاف العالم وليس كل العالم! لا تعطه أبداً كل الإجابات كاملة حتى وإن كنت تعرفها، واجعل إجابتك في أغلب الوقت على هذا النحو (حسناً هذا ما أعرف لكنك أثرت موضوع مهم بسؤالك… لم لا تدعنا نبحث عن المزيد عن كذا في كذا…؟!) واستغل ذلك في ذكر مصادر المعلومات كتب أو الأنترنت، وبذلك ستكون علّمته كيف يحصل على المعلومة ووضعته على أولى الخطوات في طريق التعلم الذاتي… احدث الشرارة واعلم “إنّ أعظم النار من مستصغر الشرر”. خامساً: كن صبوراً متجدداً لا بأس إن لم يفلح الأمر مرة، ابحث؛ فالتعامل مع الطفل من الأمور الدقيقة التي تستوجب الحذر ولكل شيء أكثر من طريقة كما أنّ الهدف يستحق. لذا، كن صبوراً وجرب أسلوباً آخر وكن متجدداً واحرص في ذلك على الاستمرارية والتدرج في المستوى. سادساً: لاحظ اهتماماته وحدد ميوله كانت المهمة في المرحلة السابقة بمثابة إثارة فضول الطفل وتوجيه اهتمامه للموضوعات والممارسات العلمية ككل، ولكن في نقطة ما حتماً ينبغي عليك ملاحظة أي الأنشطة والموضوعات يحبها ويركز اهتمامه عليها أكثر؛ لتحدد ميوله ومن ثم تزوده بما يحتاجه أو تنتقل به لمرحلة أكثر تطوراً في هذا الجانب تحديداً. سابعاً: في طريق التعلم الذاتي (لا تعطه سمكة بل علمه كيف يصطاد) على أي حال ليس هناك مكان أو شخص بإمكانه أن يزود طفلك بكل المعلومات التي يحتاجها، وكما سبق أن ذكرنا أنّ العلم هو تدريب العقل على التفكير وليس مجموعة المعارف، وكما اتفقنا أيضاً أنّ دورك يقتصر على الإرشاد والتوجيه والحث على التفكير والإبداع وتدريبه على ربط المعلومات بعضها البعض بطرق مختلفة، أمّا عن مجموعة المعارف فسبق أن علّمته كيف يحصل على المعلومة، وحيث أنّ أحد أهم مصادر المعلومات هي الكتب فيجب أن تنظر إلى تعليمه القراءة كأولوية، كأن تعوده على قراءة قصة مثيرة ضمن مجموعة قصصية مصورة متنوعة قبل النوم، يكبر قليلاً فتعلمه الأبجدية والقراءة ومن ثم تضعه أمام مجموعة من الكتب ويا حبذا لو جعلت الكتب تبدو كمكافأة تشجيعية مقابل أي إنجاز أو تصرف محمود. ثامناً: اهتم بصحة وسلامة جسمه فكما نعلم أنّ “العقل السليم في الجسم السليم” لذا؛ # احرص على أن تقدم له وجبات صحية متنوعة تحتوي العناصر الغذائية التي يحتاجها جسمه لنمو مثالي، وراقب النسب التي يأكل بها فكما أنّ تناوله القليل من الطعام ليس جيد فتناوله كميات أكبر مما يحتاجها بكثير تؤدي إلى السمنة، وغيرها من المشكلات الصحية. # احرص على حصوله على ساعات كافية من النوم وعوده على تنظيم أوقاته بخصوص أوقات نومه واستيقاظه فـ “الدنيا ملك من يستيقظ باكراً”. # احرص على جعله يعتاد ممارسة 15 دقيقة يومياً من الرياضة، ومن الأفضل أن تكون عقب استيقاظه، هذا سيمنحه نشاط لبدء باقي نشاطات اليوم. تاسعاً: بناء شخصية سوية احترم الطفل وربه على احترام ذاته والآخرين واحترام خصوصياتهم، اظهر حبك وتقديرك له، كن صديقه الأقرب استمع إليه وناقشه بحيث يستطيع أن يكوّن رأياً خاصاً به حتى في أبسط الأمور؛ يستطيع به أن يحكم على الأمور ويميز بين ما يريده ويحبه وما يمقته، ثم غذي ثقته بنفسه وشجعه ليعبر عن رأيه ذاك متى تطلب الأمر، اجعله يعتمد على نفسه شيئاً فشيئاً لتكون له شخصيته المستقلة، إنّه لا يشبه أي طفل آخر فلا مكان للمقارنات البائسة، فكل منا خلق بما يميزه عن غيره من سائر البشر ودوركم كأب أو أم ملاحظته ومساعدته في اكتشاف شغفه في الحياة، واجعله يركز على نفسه. وروحياً شجعه على ممارسة هواياته كالرسم أو العزف على آلة موسيقية وغيرها (آينشتاين كان يعزف الكمان). وأخيراً: كن دبلوماسياً ذكياً جميعنا لاحظ كيف كانت الدراسة عائقاً أساسياً في حياة آينشتاين الفكرية، وكيف تمرد على التعليم النظامي بأساليبه الجامدة المملة التي تعتمد على الحفظ وتضع عقلك في قالب معين لا يستطيع الحراك والإبداع داخله بل وتقتل الشغف، فماذا لو أعطينا أطفالنا تلك الحرية واستغلّينا شغفهم وطاقاتهم المتقدة الثائرة؟ وحديثنا هنا عن حرية محسوبة؛ فإن كان من الهام أن تحبب إليه التعلم فالأهم أن تكون دبلوماسياً ذكياً في ذلك، ولا تلزمه فالأمر ليس إجباري؛ مجدداً اترك له الحرية ولا تضغط عليه وعلى أي حال ما من طفل إلاّ ويستجيب لمحاولاتك الأولى متى درست من البداية ما يمكن أن تقدمه له، والطرق المثالية لذلك فيما يتناسب مع مرحلته العمرية، واحرص على أن تبدأ في ذلك من اليوم الأول. وأخيراً تذكر، أنت فقط مدخله إلى العالم وليس كل العالم! دورك أن توجهه فكرياً وخلقياً وعاطفياً ليكتشف ذاته وهذا لا يعطيك الحق بأن تتحكم به! في طفولته اعطه حرية ولكن اجعلها محسوبة وليست مطلقة في كل شيء، سوى حرية الفكر والإبداع فيما يتعلق بالعلوم!