هل سمعت قبلًا أن الطفل يشعر بصوت أمه وهو بعدُ جنين في رحمها ويطمئن بسماع صوتها لدى ولادته، وفي سنين عمره الأولى أيضًا؟ وإذا سمعت بذلك فهل تعلم إلى أي مدى يمتد تأثير صوت الأم على الأطفال؟ اتضح أن هذا له تأثير أكبر مما نعتقد يتعدّى مجرد الشعور بالأمان والدفء.
قبل الولادة في الشهر الخامس من عمر الجنين أو ربما قبله تبدأ حاسة السمع في التكوّن لديه، ويبدأ الاتصال الأول للجنين بالعالم الخارجي، بسماعه ضربات قلب الأم، ويكون صوتها هو أول ما يعرفه عن أمه قبل أن يلمسها أو يرى وجهها. فحين تتحدث الأم الحامل يؤثر صدى الصوت في عمودها الفقري ويهتز السائل المحيط بالجنين، فيهتز الجنين نفسه ويسمع الصوت. في هذه المرحلة يكون الطفل غير قادر على الإتيان بأي رد فعل، إنه حتى لا يكاد يفرق بين صوت أمه وصوته هو، ثم يبدأ التفاعل فيتحرك الجنين لدى سماع صوت أمه، كتحفيز لها على الاستمرار في الحديث، ويعد هذا أول رد فعل واتصال معها. ويكون من الخطأ أن تعتقد الأم بأن الحديث إليه لا يُجدي طالما أنه لم يُولد بعد، فردود فعل الجنين لدى تحدث الأم بهذه الطريقة تؤكد أنه يسمعها. فيما تتطور حاسة السمع لدى الجنين كل أسبوع خلال الحمل، ومع اقتراب لحظة الولادة، تبدأ الأمهات في الإحساس بجنينها، وتدرك متى يكون نائمًا، وكيف يمكن لها أن تُوقظه بالتحدث إليه،والغناء مثلًا.
في الشهور الأولى في دراسة أُجريت على مجموعة من الأطفال حديثي الولادة، وجدت أن تشغيل تسجيل لصوت الأم أثناء امتصاص الطفل للّهاية كان كافياً لتحسين قدرات الطفل على امتصاص الغذاء عن طريق الفم والتعجيل بمغادرته الحضّانة. حتى أن الأمهات يُمكنهم ملاحظة توقّف الطفل عن الرضاعة والنظر إليها حين تتحدث إليه، وكيف يكون صوتها عامل جذب شديداً لانتباهه في هذه المرحلة. كما يمكن لصوت الأم تهدئة الطفل في المواقف العصيبة أكثر من أي صوت نسائي آخر غير معروف لدى الطفل، والتقليل من مستوى هرمون الكورتيزول لديه، وزيادة مستوى الأوكسايتوسين، المسؤول عن الترابط الاجتماعي لدينا. كما ينشّط قشرة الفص الجبهي الأمامية، والجزء الأيسر من مؤخرة الجمجمة التي تحفز قدرات الطفل على تحليل الكلام. كما أشارت دراسة أخرى إلى دور صوت الأم في تشكيل المناطق الخاصة باللغة والكلام في عقل الطفل في عمرٍ مبكر.
تأثير الصوت مع أطفال أكبر عمراً في دراسة هي الأولى من نوعها أجراها الباحث دانييل أبرامز ومجموعة باحثين من جامعة ستانفورد ونُشرت في مايو/أيار الماضي، أكتشفت أن صوت الأمهات له تأثير خاص على أطفال أكبر عمراً.
إذ أجريت التجربة على مجموعة من 24 طفلاً أعمارهم بين السابعة والثانية عشرة، يتمتعون بنسب ذكاء متوسطة ولا يعانون من أي اضطراب في النمو، لتكشف بشكل عملي أثر صوت الأم على نشاط الدماغ لدى الطفل. حيث حدث نشاط في مناطق مختلفة من الدماغ لدى الطفل، استجابت لها المناطق المسؤولة عن الاستجابة العاطفية، والوظائف الاجتماعية في المخ بشكل أكبر، كما كشف الباحثون عن وجود نشاط في مناطق الدماغ المتعلقة بالحالة المزاجية للطفل. وقال دانييل أبرامز، أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية الباحث الرئيسي في هذه الدراسة، إن مهارات لغوية واجتماعية وعاطفية تتطور لدينا من خلال سماع أصوات أمهاتنا، لكننا لا نتخيل كيف يؤثر هذا الصوت على عدة أنظمة في أدمغتنا في اللحظة ذاتها. وذلك من خلال تصوير المخ بالرنين المغناطيسي أثناء سماع الأطفال لكلام لا معنى له بصوت أمهاتهم، بحيث لا تثير دلالات الكلام في حد ذاتها نشاطًا في عقولهم، ليقتصر التأثير على صوت الأم وحده.
وتعتزم مجموعة الباحثين ذاتها إجراء بحثٍ مشابه على أطفال يعانون اضطرابات، كاضطرابات التوحّد، إلى جانب فضولها لمعرفة ما إذا كانت تأثيرات صوت الأم تظل هي نفسها في مرحلة البلوغ أم لا. وبعد كل هذا، فعليكِ كأم ألا تملّي من الحديث لصغيرك؛ فهذا له كبير الأثر على تنمية مهاراته العقلية وتحسين صحته.