الاعتذار قيمة إنسانية وأخلاقية عليا نحتاجها باستمرار، لأنها مرتبطة بالخطأ، والخطأ جزء من تركيبتنا السلوكية ولا يمكن التخلص منه لأن ذلك ينافي طبيعتنا البشرية، ولذلك جاء الاعتذار بمثابة الدية المناسبة للخطأ.
في ثقافتنا الشرقية يبدو الاعتذار معيبا لدى البعض لأنه يمثل لديه حالة من الضعف والانكسار التي لا تليق بالرجل العربي ذي الأنفة والقوة والبطش. ولذلك يقال في كتب الأدب أن اعتذارية النابغة الذبياني التي قالها في النعمان بن المنذر كانت فاتحة هذا الباب في الشعر الذي لم يعرف هذا الغرض من قبل وبالتالي لم يعرفه المجتمع ولم يتداوله بين أفراده ومجاميعه.
وإذا كان للاعتذار قيمته الحضارية العالية، فإن قبوله من الطرف الآخر يمثل حالة لا تقل عن الأولى بل تتفوق عليها لأنها تصدر ممن وقع عليه الضرر وتأذى منه.
لا يعتذر إلا من كان متصالحا مع ذاته وثقته بنفسه عالية وتسيره منطلقات وأفكار راقية ومتسامية، ولذلك تجد أن من تنقصه هذه المبادئ والمثل العليا، حتى لو شعر في قرارة نفسه بحجم الخطأ الذي ارتكبه فإنه يلجأ للتبرير، والمكابرة، والهروب للأمام، بما يكشف ضعف وهشاشة بنيته الثقافية والسلوكية، وأتذكر في هذا الصدد مقولة ديل كارنيجي (كل أحمق يستطيع الدفاع عن أخطائه أما أن تعترف بأخطائك فهذا هو سبيلك إلى الارتفاع فوق درجات الناس وإلى الإحساس بالرقي والسمو)..
الخلاصة:
إن لم تكن لديك الشجاعة الكافية للاعتذار عن الخطأ، فاعمل جاهدا على ألا تحتاج إليه، فالحكمة تقول: إذا كان الاعتذار ثقيلا على نفسك فالإساءة ثقيلة على نفوس الآخرين أيضا.
عندما تَشيع ثقافة الاعتذار وقبوله يعمُّ الحب والسلام مجتمعنا، وتسود فيه العلاقات الطيبة الصلبة، ونكون كالجسد الواحد فعلًا لا يحمل بعضنا لبعض الغلَّ والحقد والشر؛ لذا فلنزرع ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ وقبول الاعتذار، لنزرعها في نفوس أبنائنا، ولنغرسها في تربيتهم بأن نطبِّقها نحن في تعاملاتنا وعلاقاتنا، وأن نحمل هذه الثقافة في حياتنا، وبالتالي تتنقل لأبنائنا والأجيال القادمة، ولنُعلمهم أن الاعتذار ليس ضعفًا، وأن الانقسام ليس بقوة.
الاعتذار من شيم الكبار، فمثلاً الأنبياء كانوا يعتذرون عن أي خطأ يرتكبونه؛ موسى عليه السلام بعد أن وكز الرجل بعصاه فقتله: