منذ السنوات الاولى وعندما بدأنا نتعلم سلم الحساب تعملنا ان الـ 1 هو اول الاعداد في الابجدية الرقمية. وبالتالي فهو الاول بين الـ 1,2,3,4,5...الخ.
تعلمنا ان الارقام فقط ما يمكن استخدامها لعد الاشياء المحسوسة, مثل تفاحة, برتقالة. لكن لاحقا تعلمنا ايضا ان نحسب عدد التفاح في صندوق فارغ اصلا من التفاح!!
حتى اليونانييون القدماء الذين برزوا في العلوم والرياضيات او الرومانيون الذين تسلطوا على هرم الفن لم يستطيعوا ان يجدوا الطريقة المثلى للتعامل مع حساب عدد التفاحات في صندوق فارغ. فقد اخفقوا في ان يعطوا للـ " لا شيء" اسما يعرف به. الرومانيون ميزوا الارقام بـ I, V, X, L, C, D و M...الخ, لكن اين الصفر؟ انهم لم يعدوا الصفر رقما!!
اذن كيف تم قبول الصفر؟ في الواقع بدأ الانسان باستخدام علامة تدل على الـ " لا شئ" قبل عدة الاف من السنين. شعب المايا الذي عاش فيما يعرف اليوم بالمكسيك استخدم الصفر في اشكال عدة. في وقت لاحق استخدم الفلكي كلاوديوس بطليموس ; Claudius Ptolemy, ـ مستوحيا من البابليين ـ رمزا يشبه الى حدما ما نستخدمه اليوم للدلالة على الصفر, حيث كان هذا الرمز يستخدم للدلالة على المراتب في النظام العددي. مثلا يمكن التفريق بين 75 و 705 باستخدام الصفر بدلا من الاعتماد على السياق كما كان يفعل البابلييون.
يمكن وصف السفر اذاّ كالفارزة في نظام الكتابة, فكلاهما يساهمان في الوصول الى المعنى الصحيح. كذلك فانه يجب ان تكون هناك قواعد لاستخدام الفارزة فانه لابد من وجود قواعد وضوابط لاستخدام الصفر.
عالم الرياضيات الهندي براهماغوبتا, Brahmagupta, والذي عاش في القرن الثامن للميلاد استخدم الصفر كعدد, وليس فقط كعلامة تمييز. وقد وضع قواعد وقوانين لذلك, منها "ناتج جمع عدد موجب مع الصفر يكون موجبا" و " ناتج جمع الصفر مع صفر يكون صفرا". في ذلك الوقت فان العلم كان قد تقدم في استخدام الصفر كعدد. فانه لاحقا قام عالم الرياضيات الايطالي ليناردو فيبوناتشي, Leonardo Fibonacci, بتطوير نظام العد الهندي ـ عربي. وقد دون ذلك بكتابه " كتاب الحساب " الذي نشر لاول مرة عام 1202. ان البيئة التي عاش بها ليناردو ساهمت في احساسه بالحاجة الى استخدام رمزا للـ " لا شئ" جنبا الى جنب مع باقي الارقام. فهو قد نشأ في شمال افريقيا ودرس في المدارس العربية وتعرف على نظام العد العربي في تلك البيئة.
ان ادخال الصفر في النظام الرقمي كانت عقبة امام برهماغوبتا, اذ كيف ينبغي التعامل مع هذا الدخيل؟ فكل اجوبة ذلك العالم الهندي لم تكن واضحة ولم تكن كافية. اذ كيف يمكن دمج الصفر في نظام الحساب القائم بطريقة اكثر دقة؟ اذن لابد من بعض التغيير!
عندما يتعلق الامر بعملية الجمع او الضرب لم تكن هناك مشكلة في التعامل مع الصفر. لكن مع الناقص والقسمة يوجد في الامر بعض التعقييد. فلا بد من بعض التعاريف لضمان انسجام الصفر مع بقية اليات الحساب المقبولة.
كيف تعمل الصفر؟ ان عملية الجمع والقسمة مع الصفر سهلة وغير معقدة. يمكن ان نضيف 0 الى 10 لتصبح 100. ولكن هنا نشير الى الاضافة باشكال اقل خيالية في العمليات الحسابية.
نضيف الصفر الى عدد ما فان ذلك العدد يبقى على حاله دون تغيير. ولكن عندما نضرب اي عدد مع الصفر فان النتيجة تكون صفرا. مثلا 7+0= 7 و 7*0= 0.
وحتى الناقص ليس بالمعقد كثيرا. اذ كل ما في الامر اننا نحصل على عدد سلبي في حال حذفنا شيئا من الصفر, مثل 0-7 يعطينا (7 ـ ). كل التعقييد هو في القسمة على صفر!
تخيل انك تحاول قياس طول ما مع الة قياس لا تزيد على 7 وحدات طول, وبالتالي يجب ان تعرف كم من الات القياس تلك تحتاج لمعرفة ذلك الطول. فاذا كان الطول يساوي 28 وحدة قياس فالجواب سيكون بان نقسم 28 على 7 لنحصل على 4. وبطريقة افضل 28/7 = 4. واذا ما استخدمنا طريقة الضرب المتقاطع فسنحصل على 7*4 =28.
لكن كيف نتعامل مع الصفر والسبعة في هذه الحالة؟ مثلا 0/7=a بتقاطع الضرب نحصل على 7*a=0. واذا كنا نعرف انه لا يمكن للسبعة ان تكون صفرا فانه لابد ان يكون الـ a هو الصفر. المشكلة ماذا لو قسمنا السبعة على الصفر؟ اي 7/0=a وبالتالي فان 0*a =7 مما يوصلنا الى ان السبعة تساوي صفرا وهذا مستحيل. وللخروج من هذا المأزق اضيف شرط اخر لاستخدام الصفر, وهو:
ان 7/0 غير معرف.
وبهذا الشرط فقد تم انقاذ العملية الحسابية. وهو يشابه الى حد ما عدم قبول استخدام الفارزة في وسط الكلمة, اذ لا يبقى للكلمة اي معنى.
في القرن الثاني عشر الميلادي ظهر عالم رياضيات جديد من الهند ويدعى بهاسكر , Bhāskara II, وكان يسير على خطى برهماغوبتا في دراسة القسمة على صفر. بهاسكر اقترح ان العدد الذي يقسم على صفر يجب ان يكون غير متناهي. وهو اقتراح مناسب ويمكن قبوله. اذ اننا لو قسمنا عددا ما على عدد صغير جدا فان النتيجة ستكون جدا كبيرة. فمثلا لو قسمنا 7 على واحد من العشرة من الـ 70 او واحد بالمائة من 700 واصغر فاصفر فان النتيجة ستكبر كلما تمادينا في تصغير المقام. وهكذا لو وصلنا الى اصغر شئ, وهو الصفر نفسه, فان النتيجة حتما ستكون عدد لا متناهي. وبهذا البرهان استطعنا ايضا ان نشرح المصطلح الغريب " اللا متناهي ".
الا ان استخدام مصطلح اللا متناهي لا يساعدنا كثيرا في حل معضلة القسمة على صفر. فالعدد اللا متناهي والذي عادة ما يرمز له بالـ (∞) لا يخضع للقوانين الحسابية ولا ينتمي الى الارقام الحسابية المعتادة.
واذا كان 7/0 تعني عقبة فماذا يمكن ان نستخدم لحلها اكثر من التعبير الغريب %؟!
فاذا كانت %= c فانه بالضرب التقاطعي نحصل على c*0=0. وبالتالي فان c يمكن لها ان تكون اي عدد مما يعني اننا لا ندخل حيز الغير ممكن. وهذا يعني ان % يمكن لها ان تكون اي عدد, وهو ما يعرف بالرياضيات بـ " غير محدد ".
الخلاصة: توصلنا الى ان الافضل ان نستثني القسمة على صفر من العمليات الحسابية. وهذا ما يعرف بالجيد نسبيا في علم الحساب.
ما هي قواعد الصفر؟ بكل بساطة لا يمكننا المواصلة بدون الصفر. فالصفر كان له دور بارز في التقدم العلمي. اننا نتحدث عن درجة الحرارة صفر والطاقة صفر او حتى القوة صفر بان تكون لا شئ. حتى خارج الحياة العلمية فان الصفر يستخدم على نطاق واسع, مثلا ساعة الصفر.
ابعد ما ذلك فلو دخلت ناطحة سحاب في مدينة نيويورك فانك تبدأ بعد الطوابق الطابق رقم واحد ورقم اثنين... وهكذا. ولكن في بعض دول اوربا ـ السويد مثلا ـ تبدأ الطوابق من الطابق صفر!!
خلال بعض القرون اصبحت الصفر مقبولة ومستخدمة, كما اصبحت اكبر اكتشاف بشري. عالم الرياضيات الامريكي جورج بروس , George Bruce Halsted, والذي عاس في القرن التاسع عشر استخدم مسرحية شكبير " حلم ليلة منتصف الصيف" ليشرح الية التقدم " ان اللا شئ ليس مجرد مكان او اسم ولا حتى صورة او رمز. وانما قوة ذات قيمة لتكون سمة للمسيرة منذ البداية وخلال قرون ".
عندما قدمت الصفر اعتبرت عدد فردي. الا ان الرياضيين قد تعودوا على المصطلحات الغريبة والتي لاحقا اثبتت فاعليتها. في المقابل قان ذلك يحدث في وقتنا الراهن, مثل نظريات المجموعات وان المجموعة مكونة من عناصر. وبحسب هذه النظرية فانه يرمز للمجموعة التي لا تحتوي على عناصر بالرمز ∅ وتسمى بالمجموعة الخالية. وان كان ذلك غريب نوعا ما, الا انه كالصفر...اساسي.
!!ان اللا شئ هو هو الواقع شئ!!