أحد أسباب مقاومة الخروج من البيت الخلل النفسي الذي أصاب بعض الأطفال بسبب العزل المنزلي، والبقاء لساعات طويلة أمام الشاشات والألعاب الإلكترونية
الأطفال أصبحوا يقاومون الخروج من المنزل على غير العادة بسبب الجائحة (بيكسلز) تسبب انتشار وباء كورونا أواخر عام 2019، وما صاحبه من إجراءات احترازية مشددة على مستوى العالم، في أزمات نفسية غير مسبوقة للأطفال على وجه الخصوص، كما تسبب تعامل الأهل مع انعكاسات هذه المشاكل على تصرفات الأطفال في احتوائها أحيانا، وتعزيزها كثيرا. "لا يريد مغادرة المنزل".. جملة ترددها أمهات كثيرات، لوصف حال أطفالهن، بعد التعرض لضغوط نفسية وعصبية جراء أحداث كورونا على مدار أكثر من عام ونصف العام. ورغم إعادة بعض الدول فتح أبوابها وتخفيف الإجراءات الاحترازية بعد تلقي نسبة كبيرة من مواطنيها اللقاح المضاد للفيروس، فما زالت تتواتر الأخبار عن الإصابة بفيروس كورونا، حتى وصل اليوم إلى ما يقرب من حوالي 190 مليون حالة إصابة مؤكدة بـ"كوفيد-19″، وحوالي 4 ملايين حالة وفاة، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية. تؤكد الاستشارية التربوية وأخصائية تعديل سلوك الأطفال وصعوبات التعلم، ريم مصطفى عمران، أن تخفيف الإجراءات وعودة الحياة تدريجيا إلى مسارها الطبيعي، أقل تأثيرا على الأطفال من التوتر والقلق والخوف بسبب أخبار الإصابات وحالات الوفيات. ذلك الخوف الذي بدأ منذ ما يقرب من عامين أثر على طبيعة كثير من الأطفال الذين أصبحوا يقاومون الخروج من المنزل على غير العادة، وتوضح ريم أن أمهات كثيرات يشكين عدم رغبة أطفالهن الخروج من البيت، بل مقاومة الخروج من المنزل بشكل غريب، وذلك بسبب تأثير كورونا وتداعياتها.
تأثيرات كورونا المستمرة
بعد أكثر من سنة ونصف السنة من الحياة تحت وطأة الوباء، لا توجد توقعات علمية بموعد رحيله. وينعكس هذا الوضع على الأطفال في صورة مشاكل نفسية واجتماعية، تقول ريم "مشاعر الأطفال تتأرجح ما بين توجس وخوف وترقب شديد، وحالهم ما بين خوف ورفض وإنكار للوضع".تعامل الأطفال مع ذلك الوضع غير المسبوق بأشكال وطرق مختلفة، وتؤكد ريم أن بعضهم فضل الانزواء، والبعض الآخر كان يعبر عن قلقه بتناول الكثير من الطعام، وامتنع آخرون عن الأكل، وأصيب البعض بحالات من الهستيريا والبكاء والصراخ الدائم، والبعض الآخر لا يريد مغادرة البيت حتى للعب والتعامل مع أطفال آخرين.
بعض الأمهات استسلمن للأزمة بشكل سلبي، فلجأ أطفالهن للشاشات طوال الوقت (غيتي)
تعامل الأهل.. الفيصل
تعامل الأم مع الأطفال له الفضل الأكبر في تخطي تأثير كورونا أو بقائه، "هناك أكثر من استجابة لحالات خوف الأبناء، من الأهل وتحديدا من الأمهات"، توضح ريم أن "نسبة من الأمهات استجبن بشكل إيجابي ووضعن خططا لتخطي الأزمة بسلام مع أطفالهن، من خلال خطط لبرامج تنمية مهارات، وهناك من استسلم لوضع الحظر والحجر المنزلي وتركوا الأطفال أمام الشاشات والألعاب الإلكترونية طوال الوقت". وتؤكد ريم أن الأمهات اللائي وضعن خططا لتنمية مهارات أطفالهن وخطوات لتغيير أسلوب الحياة وطبقنها مع أطفالهن، بات أطفالهن أكثر تكيفا مع المتغيرات، وأصبح خوفهم أقل من نظرائهم، حتى أن مستوى مهاراتهم النفسية والاجتماعية لم يتأثر بشكل كبير.
فرصة ذهبية
تعتقد ريم أن الأزمات مثل كورونا، تعتبر فرصة ذهبية لزيادة المهارات المعرفية للأطفال، إذا تم التعامل معها بشكل صحيح، موضحة أن "المهارات المعرفية زادت عند الأطفال، لأنهم تعلموا وأدركوا أشياء جديدة، حول كورونا مثل والفيروسات، والمرض، والإصابة، والشفاء، والوفاة والوقاية من الأمراض عموما". وساعدت بعض الأمهات أطفالهن في صقل مهاراتهم المعرفية، ووضعن خططا لتنمية المهارات المناسبة لأعمارهم من قراءة وكتابة وتعلم مهارات الحساب والأنشطة الإبداعية كالرسم وخلافه. على الجانب الآخر، استسلمت بعض الأمهات للأزمة بشكل سلبي، وقالت ريم "لجأ أطفالهن للشاشات طوال الوقت، وكان لذلك تأثير كارثي بمعنى الكلمة على الأطفال، لأنهم تعرضوا بصورة مفرطة للشاشات وفي نفس الوقت ألفوا البقاء في المنزل باعتباره الأمان فقط، فلم تتطور مهاراتهم، ودمرت مهاراتهم الأساسية، وأصيبوا بأمراض نفسية وعصبية واجتماعية".
الخوف القابع وراء عتبة الباب، دفع بعض الأطفال لرفض الخروج من البيت
إعادة تأهيل
الخوف القابع وراء عتبة الباب، دفع بعض الأطفال لرفض الخروج من البيت ومقاومة التعامل مع الآخرين، وتفضيل الانزواء والتعامل مع العالم الافتراضي فقط.تؤكد ريم أن المهارات الاجتماعية للأطفال بشكل عام تأثرت بصورة واضحة، تحديدا الأطفال الذين لم تتطور مهاراتهم المعرفية خلال الأزمة، فتأثرت طريقة تواصلهم مع المجتمع بشكل كبير، خاصة مع تغير السياسات التعليمية والتعلم عن بعد. وأوضحت أن بعض الأطفال باتوا يخشون الخروج من المنزل، خوفا من الإصابة بالأمراض، أو لأنهم اعتادوا البقاء بمفردهم دون تواصل، خاصة أن التواصل يحتاج إلى مجهود نفسي وعصبي لا يقوون عليه بعد فترة عزلة كبيرة. وتضيف ريم، أن أحد أسباب مقاومة الخروج من البيت أيضا، الخلل النفسي الذي أصاب بعض الأطفال بسبب العزل المنزلي، والبقاء لساعات طويلة أمام الشاشات والألعاب الإلكترونية.
وللتغلب على تلك الحالة وإعادة الطفل إلى وضعه الطبيعي، تقترح ريم، إعادة التأهيل التدريجي من قبل الأهل، ويحدث ذلك باتباع عدة خطوات:
التحدث مع الطفل وشرح ما يحدث حوله، عن المرض، وطبيعة الفيروس، والوقاية والحياة والموت. التواصل العائلي معه دائما، عبر نقاشات أسرية أسبوعية، أو مشاهدة أفلام معه. البدء بأنشطة منزلية كالقراءة والكتابة أو الرسم والألوان. التوقف عن استخدام الشاشات إلا لفترة زمنية محددة كساعة واحدة يوميا. الأنشطة الخارجية، والتمارين ويفضل التمارين الجماعية حتى يعتاد التعامل مع الآخرين. مقابلة أطفال آخرين واللعب معهم خارج البيت. التواصل مع متخصصين لتوضيح أفضل الطرق لإعادة تأهيلهم والتكيف مع ظروف حياتهم الطبيعية مرة أخرى.