العالم يفكر في مستقبل الإنترنت.. والهُوّة الرقمية في إفريقيا تتفاقم!
العالم يفكر في مستقبل الإنترنت.. والهُوّة الرقمية في إفريقيا تتفاقم!
تناول احتفال "مجتمع الإنترنت" بمرور 20 عاما على قيام هذه المؤسسة ذات الباع الكبير في مجال قوانين إدارة الإنترنت، موضوع تحديد معالم شبكة الغد في ظل ما يواجهه العالم من تحديات تقنية وثقافية وسياسية في هذا المجال.
وفي الوقت الذي يحاول فيه البعض استشراف معالم الشبكة الإفتراضية المستقبلية ومناقشة كيفية تنظيمها وتأطيرها للإيفاء بمتطلبات مجتمع الغد، يتساءل الخبراء عن وضع القارة السمراء اليوم فيما يتعلق بردم الهوة الرقمية؟ وهو تساؤل يفرض نفسه بالنظر إلى ما يتسم به وضع افريقيا اليوم التي تعتبر إحدى البؤر المتخلفة عن الركب العالمي في هذا المجال..
في هذا السياق، التقت swissinfo.ch في جنيف أحد أبنائها الذي رافق مسيرتها في الميدان عن كثب، وهو السيد أدييل أكبلوغان، المدير التنفيذي لمؤسسة "AfriNic" التي تسهر على إدارة عناوين المواقع على شبكة الإنترنت على مستوى القارة الإفريقية بأكملها.
تصور انترنت المستقبل
مرت عشريتان على تأسيس مجموعة "مجتمع المعلومات" Internet Society التي تتشكل من متطوعين يعملون من أجل الترويج لشبكة الإنترنت. وقد التحق بها السيد أدييل أكبلوغان في عام 1995 كمتطوع.
واليوم ترغب هذه المجموعة في "مراجعة وتقييم ما تم انجازه، وتصور ما يجب التركيز عليه إذا ما أردنا مواصلة الترويج لشبكة الإنترنت"، مثلما يقول أدييل أكبلوغان.
ومن بين التساؤلات التي حاول الإجتماع الذي انعقد في جنيف من 22 إلى 24 ابريل 2012 الإجابة عنها: ما هو تصور شبكة انترنت الغد؟ وما هي التحديات التي علينا مواجهتها؟ هل سنتجه في اتجاه الإنترنت المتنقل؟ وما هي التحديات السياسية للحفاظ على حرية الإستخدام؟ وكيف يمكن تفادي التفكك الى شبكات متعددة عوضا عن شبكة واحدة؟
وما من شك في أن أكبر التحديات الحالية تكمُن، حسب رأي أدييل أكبلوغان، في "تأمين استخدام آمن لشبكة الإنترنت، وكوسيلة للنمو الإجتماعي والإقتصادي بالنسبة للجميع وليس فقط مجرد وسيلة نقل معلومات، أي إخراجها من الحيز التقني لكي تصبح في متناول عامة الناس وبما يخدم احتياجاتهم".
التحدي الآخر يتمثل في مسألة توحيد نظرة جميع الشركاء من حكوميين ومنظمات مجتمع مدني وشركات تكنولوجية لشبكة الإنترنت ولوظيفتها في المجتمع . وفي هذا الصدد، يقول أدييل أكبلوغان: "إن شبكة الإنترنت ليست مجرد تكنولوجيا بل تتعدى ذلك الى ثقافة انفتاح ومشاركة للجميع وشفافية، وهذه أفكار غير متداولة في كل مكان بل يجب التأقلم معها مع التكيف مع الثقافات والتقاليد والخصوصيات المحلية".
في افريقيا: رُبَّ ضارة نافعة!
بالعودة إلى الأرقام والإحصائيات تبدو القارة السمراء من أفقر المناطق الجغرافية في العالم من حيث كثافة استخدام الإنترنت وهذا رغم ما تبذله بعض الدول من جهود فردية. إذ يقول أدييل أكبلوغان، المدير التنفيذي لمؤسسة AfriNic: "لا تتعدى نسبة الإتصال بشبكة الإنترنت 10% في المتوسط رغم تميز بعض الدول مثل جنوب افريقيا، وجزيرة موريس، والمغرب، ومصر".
رغم هذا التأخر، يعتبر أدييل أكبلوغان أنه "قد يسير في صالح القارة الإفريقية"، ويشرح تقييمه بالإشارة إلى أن هذه الوضعية "قد تسمح لها بتطوير شبكة الإنترنت بنفقات أقل". بل لا يتردد في القول: "كأفارقه قد نستفيد من تخطي بعض المراحل التي مر بها غيرنا والتي كانت مُكلفة مثل تفادي شبكات الكابل والتوجه نحو شبكة الإنترنت النقال أو الموبايل أو الواي فاي Wifi".
ضعف المحتوى المحلي
من المشاكل التي تعاني منها القارة الإفريقية شأنها في ذلك شأن الدول العربية ضعف المحتوى المدون باللغات المحلية مقارنة مع الإنجليزية أو الفرنسية. لكن هذه المشكلة كثيرا ما تصطدم بالجدل المزمن حول ما إذا يجب تحضير المحتوى قبل توفير الوسائل التقنية أم أن توفر الوسائل التقنية هو الذي سيشجع تاليا على الإبداع المحلي؟
أدييل أكبلوغان يرى أن الحل يكمُن في "تزامن الأمرين معا"، ويستشهد على ذلك بما سُجّل من تقدم كبير في قارة آسيا حيث "تم تطوير محتوى محلي بلغات محلية خلال الأعوام الخمسة الأخيرة". ومن بين المعطيات التي تدفعه إلى التفاؤل أيضا هو أن "مؤسس ويكيليكس استعرض في ملتقى جنيف إحصائيات عن الوثائق التي تم العثور عليها في ويكليكس مكتوبة ببعض اللغات المحلية الافريقية مثل اليوروبا التي يتم التحدث بها في نيجيريا (9000 مقال)، أو السواحيلي (23000 مقال)، ولغة الأفريكانس (22000 مقال). وهو ما يعني في نظره وجود "شعور بأهمية تقديم محتوى بلغات محلية إذا ما تم الإقتناع بتسخير شبكة الإنترنت لخدمة الإحتياجات المحلية".
وفي هذا السياق، يرى أدييل أكبلوغان أنه يتعين على الحكومات الإمساك بزمام المبادرة في هذا المجال عبر "التسريع بتأسيس مواقع الحكومة الالكترونية، لأنه حتى الفلاح المنعزل في أقصى أرياف الطوغو مثلا، عندما يدرك بأنه بإمكانه الحصول على شهادة الميلاد بطريقة أسهل عبر شبكة الإنترنت بدل التنقل لمئات الكيلومترات، سيقتنع بأهمية الإنترنت ويبدأ في استخدامها".
تحديات كبرى
بعض التحديات التي يرى الخبير الافريقي أنها مازالت تعرقل تطور انتشار استخدام الإنترنت بشكل جيد في القارة السمراء له علاقة بالتمويل والتجهيز، فيما يرتبط البعض الآخر بتغيير الذهنيات والسياسات والتوجيه التعليمي.
ومثلما جاء على لسان أحد المشاركين الأفارقة في الإجتماع فإنه "عندما نتحدث عن إدارة الإنترنت في الدول النامية، لا نتحدث عن التصور الإفتراضي بل بالواقع الملموس لبنية الانترنت، من قبيل: كيف يمكن اجتذاب المستثمرين نحو القارة الافريقية، وكيف يمكن جلب السياح، وكيف يمكن تطوير التطبيقات القاعدية اليوم لكي تتماشى ومتطلبات الهاتف النقال، وكيف يجب إدخال تعديلات على البرامج التعليمية في الجامعات الافريقية لمواجهة هذه التحديات؟".
في الوقت نفسه، يرى نفس المشارك أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الأفارقة أنفسهم لأنه "إذا كان التفكير في تطوير الإنترنت يتم على المستوى العالمي، فإن على أبناء المنطقة التحرك محليا لتطبيق ما يمكن تطبيقه محليا"، ولعل هذه هي الفكرة الرئيسية التي حاولت المجموعة الصغيرة من المشاركين الأفارقة إبلاغها من خلال مساهماتهم في اجتماع جنيف للإحتفال بالذكرى العشرين لتأسيس "انترنت سوسايتي