تفضل الله عز وجل على المؤمنين أجمعين سواء الحجاج أو المعتمرين أو المقيمين في بلدانهم مثلنا تفضل الله على الجميع بهذا اليوم فجعل يوم عرفة يوافق يوم الجمعة وقد قالت اليهود لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لقد نزلت عليكم آيه لو نزلت علينا لجعلنا يومها عيداً ، قال: وما تلك الآية؟ قالوا: قول الله {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} المائدة3 فقال رضي الله عنه: أشهد أنها نزلت في يوم عيدين اثنين ، نزلت في يوم عرفة وكان يوم جمعة فيوم عرفة يوم عيد ويوم الجمعة يوم عيد ، يوم عرفة يوم عيد لحجاج بيت الله فإن الله عز وجل يتنزل لصباح هذا اليوم إلى السماء الدنيا ويأمر الملائكة أجمعين أن يتنزلوا ليشاهدوا هذا الحفل العظيم حتى أن الملائكة الموكلين بالأعمال يعطيهم إذناً أن ينتهوا ويتركوا الأعمال ليشهدوا حجاج بيت الله وهم واقفين ضارعين متبتلين مخبتين بين يدي الله عز وجل فإذا شهدوهم أو رأوهم قال الله عز وجل لهم مباهياً بعباده المؤمنين للملائكة المقربين: {يَا مَلائِكَتِي انْظُرُوا إلى عِبَادِي شُعْثاً غُبْراً ، أَقْبَلُوا يَضْرِبُونَ إليَّ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَجَبْتُ دُعَاءَهُمْ وَشَفَعْتُ رَعِيَّتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ ، وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنِيهِمْ جَميعَ مَا سألوني}{1} فيتجلى عليهم الغفار فيغفر لهم جميع الذنوب والأوزار ما داموا قد تحروا المال الحلال والزاد الحلال والنفقة الحلال وهم متوجهين لله عز وجل ، ولذا قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: {أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن إن الله لم يغفر له}{2} وهل يغفر الله لهم ما بينه وبينهم فقط؟ أو يتجلى ويغفر لهم جميع الذنوب ، إن الله عز وجل على الحقيقة يغفر لهم جميع الذنوب ما ظهر منها وما بطن ما صغر منها وما كبر ما كان بينهم وبين الله وما كان بينهم وبين أحد من خلق الله وإليكم الدليل على ذلك من حديث سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَعَا لاٌّمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، فَأُجِيبَ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلاَ الْمَظَالِمَ ، فَإنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ ، قَالَ: أَيْ رَبِّ إنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ ، وَغَفَرْتُ لِلْظَّالِمِ ، فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ ، فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ ، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ، أَوْ قَالَ تَبَسَّمَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إنَّ هذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِيهَا ، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ؟ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ ، قَالَ: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَجَابَ دُعَائِي ، وَغَفَرَ لاٌّمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رِأْسِهِ ، وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ}{3} ومن أجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: {إِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَاتٍ أَتَوْا جَمْعاً فَوَقَفُوا ، قَالَ: انْظُرُوا يَا مَلاَئِكَتِي إِلَى عِبَادِي عَاوَدُونِي فِي الْمَسْأَلَةِ ، أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ ، وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ ، وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ ، وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ ، وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ}{4} وقال صلى الله عليه وسلم: {إن الله يتجلى لأهل عرفة فيغفر لهم الذنوب جميعاً}{5} فقال سيدنا عمر: يا رسول الله أهذا لنا خاصة أم لنا ولمن بعدنا؟ فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن هذا لهم ولمن بعدهم إلى يوم القيامة ، إذا كان يوم عرفة نزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا ونظر إلى خلقه فغفر لهم جميعاً ، فقالوا: يا رسول الله أهذا لنا خاصة فقال صلى الله عليه وسلم: {بل هذا لكم وللناس من بعدي}{6} فأخذ سيدنا عمر رضي الله عنه يحجل من شدة الفرح ويقول قد فاض خير ربنا وطاب قد فاض وطاب
{1} رواه أبو يعلى في مسنده والخطيب في المتفق والمفترق على أنس {2} قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: رواه الخطيب في المتفق والمفترق والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بسند ضعيف، وجدنا ذلك فى كشف الخفاء {3} رواه ابن ماجه عن عبد اللَّه بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه ، الترغيب والترهيب وغيره {4} رواه صاحب الترغيب والترهيب عن أنس {5} رواه أبو يعلى في مسنده والخطيب في المتفق والمفترق عن أنس{6} رواه مسلم والنسائي وابن ماجة عن عائشة
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...EC&id=75&cat=3 منقول من كتاب {الخطب الإلهامية_ج6_الحج وعيد الأضحى}