الكذب في الصغر مؤشر على النجاح في الكبر
الكذب في الصغر مؤشر على النجاح في الكبر
أكدت دراسة بريطانية حديثة أن الكذب في مراحل العمر المبكرة يمثل دليلا على النضج الفكري والاجتماعي للطفل، وليس مؤشرا على سوء سلوكه مستقبلا.
وقالوا إن الأطفال الذين لا يكذبون ربما يكونون مصابين بالتوحد، غير أنهم شددوا على عدم تشجيعهم على الكذب بامتداحهم أو الثناء على أكاذيبهم حتى وإن كانت بسيطة.
وأوضحوا أن الأطفال الذين بدؤوا في الكذب منذ عمر السنتين إلى الخمس سنوات يبرهنون على أن عقولهم تتطور بشكل تدريجي، وباتوا قادرين على التفكير والتمييز بين الأفعال والأقوال، وحتى تقليد سلوكات من حولهم.
وأشاروا إلى أن خيال الطفل في هذه الفترة من العمر يكون خصبا، مما يجعله يختلق بعض الأشياء ويعيشها، وهذا النوع من الكذب يتلاشى تدريجيا مع مرور السنوات.
ودعا الباحثون الآباء إلى عدم معاقبة صغارهم إذا ما كذبوا عليهم في بعض المسائل، بل تشجيعهم على قول الحقيقة بأساليب مرنة، لأن التصرف بقسوة من شأنه أن يجعلهم يتمادون في الكذب.
كما نبهوا إلى ضرورة عدم اتهام الأطفال بالكذب أو نعتهم بالكذّابين لأن هذا الأسلوب سيقلل من ثقتهم في أنفسهم، وربما يحفزهم على مزيد الكذب إما لإثارة غضب آبائهم أو لمعرفة ردة فعلهم.
الأطفال الذين بدؤوا في الكذب منذ عمر السنتين إلى الخمس سنوات يبرهنون على أن عقولهم تتطور بشكل تدريجي
ونوهوا بأهمية سرد بعض القصص التى تتناول موضوع الكذب وكيفية وقوع الشخص الكذاب في مجموعة من المآزق والمشاكل نتيجة سلوكه المرفوض اجتماعيا. ودعوا إلى ضرورة البحث عن الأسباب التي دفعت أطفالهم للكذب لأن تصرفهم ربما يخفي العديد من الرسائل المهمة، ولأن الطفل في هذا العمر يجد في الكذب تعويضا عن رغباته غير المتحققة.
ويؤكد علماء نفس من جامعة كندا بعد إجرائهم دراسة على عينة 1200 طفل تتراوح أعمارهم ما بين سنتين وسبع عشرة سنة، أن الأطفال الذين يكذبون في وقت مبكر قد ينجحون في حياتهم مستقبلا.
وتوصلوا إلى أن خمس عدد الأطفال البالغين من العمر سنتين قادرون على الكذب ولكن بصفة محدودة، ومع بلوغهم سن الرابعة تصبح نسبة الكذب لديهم 90 بالمئة، ويبلغ هذا المعدل أقصى مستوياته في سن الثانية عشرة.
وتحدث لوك هايد، الطبيب النفسي بجامعة ميشيغان عن كيفية عمل الجينات والخبرة والدماغ معا لزيادة أو تقليل المخاطر التي ستتطور بفعل تجاوزات مرحلة الطفولة إلى اضطرابات سلوكية كاملة في مرحلة المراهقة والبلوغ المبكر. وأوضح هايد، “تقدر فترة اضطراب السلوك بحوالي 10 بالمئة، وهي أعلى عند الذكور، وأصحاب الدخل المنخفض”.
الكذب في الوسط العائلي يؤثر على سلوك الطفل مستقبلا
وأضاف: “وتعتبر التكلفة الإجمالية على المجتمع هائلة، لأن هذه السلوكيات غالبا ما تكون مزمنة، ودائمة في مرحلة البلوغ”. وأوضحت عديد الأبحاث التي أجريت في هذا المجال أن الأطفال يمكن أن يكذبوا وباستمرار إذا ما كانوا ضحيّة للكذب وخاصة في وسطهم الأسري.
ويعتبر سلوك الكبار وتصرّفاتهم من بين أهم الأسباب التي تجعل الأطفال يلجؤون إلى الخداع والكذب، فعندما يسمعون آباءهم يكذبون، يفعلون هم أيضا نفس الشيء.
وكان الخبراء قد توصلوا في أبحاث سابقة إلى أن السواد الأعظم من العائلات يستخدممون الكذب، وأن أكثر أشكال الكذب شيوعا تظاهر الوالدين بأنهما سيتابعان طريقهما ويتركان الطفل لوحده، وهذه الكذبة تستخدم حين يكون على الولدين مغادرة مكان ما بينما يرغب الطفل في البقاء. وقسم الباحثون أشكال الكذب المستخدمة إلى فئات، بعضها مرتبط بسلوك الطفل والرغبة في تغييره، من خلال تهديده باستدعاء الشرطة مثلا، أو أن شخصا ما سيخطفه.
وهناك “الكذب الأبيض” أو المرتبط بحماية مشاعر الطفل، كأن يقولوا له إن حيوانه الأليف ذهب ليعيش في مزرعة الأقارب، في ظروف أفضل.
وهناك “الكذب الهادف” لإخراج الوالدين من مأزق، من قبيل “لم أحضر نقودا معي” إذا طلب الطفل شيئا لا يرغبان في شرائه. ولم يجد الباحثون فروقا تذكر بين طبيعة الكذب الذي يلجأ إليه الآباء والأمهات.
وبالرغم من أن ما يسمى بالكذب الهادف منتشر بكثرة في عدة بلدان، إلا أنه منتشر بدرجة أكبر في الصين وفي الولايات المتحدة.
ووجد الباحثون أن الوالدين كثيرا ما يلجآن للكذب الهادف للترغيب في سلوك معين، مثل إقناع الطفل بأكل أنواع محددة من الخضار، كالبروكولي والسبانخ، وإخبار الطفل أنه سيزداد طولا لو أكلها.
ويرى الباحثون أن اللجوء إلى الكذب -كما في الحالات السابقة- قد يؤثر على العلاقات داخل العائلة حين يكبر الأطفال، كما من شأنه أن يطرح إشكالية أخلاقية حول ما إذا كان كذب الوالدين مبررا، وفي أي الحالات يكون كذلك.