صناعة الإعلام أقوى أداة للسيطرة على العقول والتأثير في الرأي العام، سواء بهدف الإصلاح أو التخريب، كالسلاح الفتاك توجهه جهة ضد الأخرى. وأول ما نشاهده على قنوات الأخبار عند حدوث تغيير في بلد ما هو البيان رقم واحد عبر وسائل الاتصال. كذلك هي السينما بشقيها التوثيقي والروائي، فأحياناً نجد أفكاراً مغلوطة راسخة في أذهان بعض الناس وعند سؤالهم عن مصدرها يقولون: رأيناها في فيلم كذا. من الفئات المهمشة إعلامياً والمتضررة بشدة نتيجة تشويه صورتها هم المسلمون، والسبب جهات تمثل أجندات خاصة لا شغل لها سوى تحقير صورة المسلم أو العربي وإظهاره بصورة نمطية واحدة، فهو إما إرهابي قاتل أو همجي أو غير متسامح مع أصحاب الأديان الأخرى أو جاهل يعيش في بيئة بدائية. قصة تشويه العربي ثم المسلم في السينما برزت في سبعينيات القرن الماضي من خلال القضية الفلسطينية وهي مستمرة إلى اليوم، لكنها تتغير بتغير الظروف السياسية فمن عربي في الماضي نرى شخصيات الإرهابيين تأتي من جنسيات آسيوية. عام 1999 حدث ما يمكن أن يعدل الصورة المشوهة ويعيد الأمور إلى نصابها، إذ تأسست مؤسسة «يونيتي برودكشن فاونديشن»، وهي مؤسسة غير ربحية مقرها كاليفورنيا أخذت على عاتقها مسؤولية تحسين صورة المسلمين في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية تحت شعار: «صناعة السلام من خلال الإعلام».
نطاق عمل
«البيان» حاورت مايكل وولف رئيس ومؤسس مشارك لـ«يونيتي برودكشن فاونديشن» على هامش مؤتمر عقد في دبي أخيراً، إذ قال إن المؤسسة متخصصة في إنتاج أفلام توثيقية للتلفزيون والعرض على الإنترنت، فضلاً عن الطرح السينمائي. وأضاف: «عملنا يتركز في القطاع الترفيهي لصعوبة السيطرة على الأخبار بل يستحيل، لكن التلفزيون الترفيهي يدخل بيوت ملايين الناس خصوصاً الفترة المسائية ويثقفهم ويرفه عنهم ويشكل أو يغير آراءهم وهذا بالضبط نطاق عملي». وأشار وولف إلى أن «عملية تعديل الصورة المشوهة ليست صعبة، هي ممكنة جدا وتعتمد بالدرجة الأولى على تكوين العلاقات مع منتجي الأعمال (مسلسلات وأفلام) وبث شعور داخلي لديهم بأنك لا تحاول السيطرة عليهم أو التدخل في عملهم بل إقناعهم بتحقيق نوع من التوازن في أسلوب الطرح المتبع لديهم. المنتجون من الجهة الأخرى يدركون تماماً جوهر عملية سرد القصة، فهي عملية تتعلق بالاستحواذ على اهتمام ملايين البشر من خلال عامل معين، فإن كان مجمل العمل عن قصة سلبية تدور حول شخصية نمطية (عربي أو مسلم) فلن يحقق العمل قبولاً ونجاحاً على المدى البعيد. فهؤلاء المنتجون بحاجة إلى تقديم صورة طيبة عن العنصر المسلم في عملهم حتى لا يفقدوا اهتمام الجمهور الذي يتراوح عدده بين 12-15 مليون مشاهد في الأسبوع (العدد قابل للزيادة)، في الوقت نفسه، هذه الأعمال تترجم إلى عدة لغات وتعرض عالمياً بعد أسبوع واحد فقط من وقت عرضها داخل أميركا، فتحسين صورة المسلم أصبح أمراً مهماً للمنتجين لكسب الجمهور وإضفاء المصداقية على أسلوب الطرح من خلال تزويدهم بصورة دقيقة عن الإسلام والمسلمين وأسلوب حياتهم وكيفية تطبيقهم للدين الإسلامي الحنيف وحتى كيفية النطق الصحيح لأسماء الأشخاص». ومن أبرز المسلسلات التي تعاون منتجوها مع يونيتي فاونديشن هي: 24 وBones وGrey’s Anatomy و Homeland وThe Good Wife. ولفت وولف إلى أن الصورة النمطية تحسنت كثيراً بعد خروج إدارة الرئيس السابق جورج بوش المتشددة ودخول إدارة أوباما المعتدلة، فقدوم رئيس جديد معناه تغير إدارة بمعدل 40 ألف موظف تقريباً، وهذا يعد تغييراً لنمط تفكير بأكمله. وأوباما رجل متفتح على التنوع العرقي في العالم فالعمل في ظل إدارته أسهل بالنسبة لنا. أجمل موقف
يعمل وولف وفق منهج معين قائم على المصداقية والثقة وإعطاء المنتجين انطباعاً بأن المؤسسة تهدف لتحسين شكل العمل الفني وكل ذلك بلا مقابل. ويذكر وولف واحداً من أجمل المواقف التي عززت جهودهم: «عام 2002 طرحنا فيلماً يعرض سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد استضافت قناة أميركية رجلاً مشهوراً بالهجوم على الإسلام والمسلمين، وطالب ذلك الرجل بأن يسجن صانعو هذا العمل لأنهم يهدفون لإجبار الجمهور على اعتناق دين آخر. فما كان من المذيع إلا أن دافع عنا وعن الفيلم من تلقاء نفسه وعرضت القناة بعد ذلك أفضل مقطع من الفيلم وبعد ذلك عادت الكاميرا لتركز على ذلك الرجل في الاستوديو الذي أوقع نفسه في حرج شديد. ذلك الموقف دعم مصداقيتنا بشكل كبير». وأشار وولف إلى أنه يواجه تحدياً رئيساً متمثلاً في التمويل، حيث إن إنتاج فيلم واحد يستغرق 3 أعوام يمضي نصفها في جمع المال اللازم، لذلك تبحث «يونيتي برودكشن» عن ممولين يلتزمون بتزوديها بما تحتاجه لإنتاج أفلامها، وأضاف «هي أفلام ناجحة بلا استثناء وتحوز الإعجاب وتنال جوائز أينما تعرض. وأيضاً بالتمويل المضمون سنتمكن من توظيف المزيد من الناس، وبالتالي ستدور عجلة الإنتاج وسترون أفلاماً هادفة كثيرة». كما تحدث وولف عن عملية التوزيع قائلاً إنهم يوزعون الأفلام على محطات التلفزيون وصالات السينما إن استطاعوا، والتوزيع يكون بالآلاف على المدارس والجامعات، وبين أن «هذا الجهد ضخم قد لا ترى نتيجته الآن لكن بالتأكيد سنراه في الجيل القادم، لأنه سينشأ على الصورة الجديدة وهي التي نروجها، بمعنى أن مشكلة الصورة النمطية المشوهة لن تكون معروفة لديهم، لأنهم سينشأون متعلمين بطريقة أفضل، وبالتالي هذا انتصار لمنهجنا». وفيما يتعلق بكتابة النصوص التلفزيونية، قال وولف «إن المنتجين كثيراً ما يدعوننا لمراجعة نصوصهم قبل البدء في تنفيذ الأعمال والتأكد من سلامتها من الصورة النمطية للعرب أو المسلمين، وفي أحيان أخرى يكتفون باستشارتنا في أمور تتعلق ببعض العبادات لدى المسلمين كصوم رمضان مثلاً. في النهاية كتابة العمل الفني هي الأساس ودونها لا يمكن للعمل أن ينجح». إنجازات في معرض إجابته عن كيفية قياسه إنجازات المؤسسة ذكر وولف أنهم يقيسون إنجازاتهم بتحقيق أعمالهم نسب مشاهدة عالية، وأوضح: «اليوم بلغ عدد مشاهدينا 200 مليون. وكذلك نفذنا استطلاعات رأي قبل وبعد مشاهدة فيلم معين لقياس نسبة معرفة الجمهور عن المادة التي نقدمها، وقد كانت النتائج مذهلة. فضلاً عن ذلك فإن استمرار وجودنا إلى اليوم هو إنجاز كبير في حد ذاته، فعند تأسيسنا «يونيتي برودكشن» عام 1999 بهدف صنع أفلام توثيقية ذات مواضيع إسلامية، في ذلك الوقت كانت الفكرة غير واقعية بالنسبة للكثيرين في أميركا». وإنجاز آخر يضيفه وولف هو أن الحكومة الأميركية أنشأت نظاماً يسمح للموظفين الفيدراليين بالتبرع بما يشاؤون للمؤسسات غير الربحية، وعندما قدموا طلب حق الاستفادة من النظام حصلوا على تبرعات لا بأس بها من أشخاص مؤمنين بالأهداف النبيلة التي يتطلعون أن يتربى عليها الجيل القادم. 15
مليوناً معدل مشاهدي التلفاز في الفترة المسائية بأميركا 150 مليون شخص شاهد أفلام يونيتي برودكشن 09