يقوم المسلمون أحياناً بعادات دينية لا أصل لها في السنة ولا في القرآن الكريم ، ظانين أنها تقربهم من ربهم أكثر وتزيد من ميزان حسناتهم ، فيقبلون على فعلها دون التأكد من حكم الشرع فيها فيبيحونها وقد يعتبرون فعلها واجب دون الرجوع إلى شيوخ الدين ورأيهم فيها ، ويقعون في الإثم دون أن يعلموا بذلك ، وبعضهم يقلد هذه الأعمال والبدع عن معارفهم وأصدقائهم فيزداد الخطأ وينتشر ليصبح عادة ثابتة عند الكثير من المسلمين .
ولعل أحد هذه العادات المتوارثة عن الأهل والأقارب القدامى هي عادة تقبيل المصحف الشريف قبل أو بعد القراءة فيه ، فغالباً ما نرى الكثير ممن يقومون بتقبيل القرآن الكريم من جهة أو من جميع جهاته ، معتقدين انه بذلك يعظمونه ويجلون أعظم كتاب في تاريخ البشرية ، وأنهم يؤكدون بتقبيله محبتهم له وللدين الإسلامي وتمسكهم بآدابه .
ولكن ما حكم تقبيل المسلم أو المسلمة للقرآن الكريم عند مسكه أو قراءته ؟ هل هو واجب شرعاً أم محرم ؟ أم أنه مجرد بدعة لا أصل لها في الشريعة الإسلامية ؟ وإذا كان مجرد بدعة فما حكم من يقبله ؟
حكم تقبيل القرآن الكريم في الشرع :
أجمع غالبية علماء الدين بأن تقبيل القرآن ليس له أي دليل في السنة الشريفة ولا في القرآن الكريم ، إذ لم يرد أي حديث نبوي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى تقبيل المصحف ، وهذا يعني أن تقبيله ليس سوى بدعة تعارف الناس عليها وتناقلوها بينهم ، من باب تعظيم المصحف وإجلاله ، واحتراماً ومحبة لهذا الكتاب المقدس ، إلا أن الشرع لم يوجب هذا التصرف على المسلمين ، وفي نفس الوقت لم يصدر أي حكم بتحريم فعله .
كما أن شيوخ دائرة الإفتاء الشرعي أكدوا عدم وجود دليل يشرع تقبيل المصحف ، مشيرين إلى أن القرآن أنزل للتلاوة والتدبر والعمل به وليس لغاية التقبيل، وفي فتوى أخرى للشيخ الكبير - ابن باز - حول موضوع تقبيل المصحف ، أشار الشيخ أن لا حرج في تقبيله لكن تركه أولى وأفضل لعدم وجود دليل عن النبي - عليه السلام - يدعو إلى ذلك ، وإن كان في تقبيله تعظيم وإجلال للكتاب ، ولكنه غير مستحب .
وهناك رأي العلامة الألباني - رحمه الله - الذي أكد بأن تقبيل المصحف ما هو إلا بدعة لا بد من الإقلاع عنها لأنه غير ثابت في القرآن والسنة ، و أورد حديث النبي : " إياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة " ... وهذا يعني أنه من الأولى ترك هذا التصرف المبتدع، و يعلل ذلك بقوله : " لماذا كان تقبيل القرآن بما يحمله من معاني التبجيل والتعظيم خافياً على الجيل الأول -وهم صحابة رسول الله مع أتباعهم وكذلك أتباع التابعين من بعدهم ؟ يكمن الجواب بقول علماء السلف : " لو كان خيراُ لسبقونا إليه " .