آن ليّ أن أسمع الآن. أسمعُ كل شيء : البُكاء، الضحك، الوحدة/ ضجيج الناس،
أصوات البائسين، عَقارب الساعة، أبواق السيارات، وأنا، آن لي أن لا أتحدث بأي شيء سوى الاستماع والتفرغ له تفرغٌ تام .
مَضيت طيلة عمري وأنا أتحدث بِكل شيء و من أجل كل شيء، لكن لم أجد أي فائدة مُقابل ذلك، لم أجد حتى وقفة لِهذا الصوت الذي يَخرجُ بِصعوبة من الصمت... تَمنيت لو تتوقف نملة، لا يِهُم أي الكائنات تَستمع لي .. المهم أن أجد إصغاء، رفض، أو إجابة، أجد فائدة واحدة فقط لما أقوله، أو لما أجتهد في التفكير بِه طيلة هذا العمر، وصياغته في هذهِ الدقائق . أهذا منكر ؟! مُنكر أن يبحث الإنسان عن فائدة اتجاه ما يقوله !
أريد على كل ما أقوله أو أفعله فائدة ، فائدة عظيمة تَستحق. وبعدها لأصبح نكره تَحت تَصنيف البعض، فالبعض الذي لا يُريد فائدة يَكذب؛ لا أحد هُنا لا يريد مُقابل الكل يُريد ذلك.
(خارج عن المألوف) تَحت ما يدعيه هؤلاء الناس (النّصيب) الذين لا يستطيعون أن يَقولوا الحقيقة، حَقيقتهم هم، حَقيقة ما يريدون، طلب ما يستحقونه. أنا لا أتكلم عن الصداقة العابرة أو الحُب أو مسألة نجاح وسقوط، أنا أتكلم عن المُستقبل، عن الحق، عن الدافع الذي يَرتبط بالضمير الحيّ، فإن مات عليك أن تفعل كل شيء، فأنت لا تَطلب شيء سوى ما يِجب أن يِكون لك، بِحوزتك، لا تِطلب إلا نصبيك من كل شيء تفعله وتقوله، من قدرك.. قدرك الذي كتبه الله لك وأنت تترنح بأفكار خاطئة تجعلك صامتاً حتى عن حقك.
(الحُبْ) الولاء لِهذا الحُب نِعمة، نعم لا أحد يِسخر من الحُب وينكر وجوده إلا الميت، إن لم نُحب بِكل جوارحنا لن نِعيش بِكل جوارحنا، فَكلاهما مُتصلاًن ببعضه البعض، الجوارح والحب والعيش ينتج منهم حياة سعيدة تجعلُك تُقبل على الحياة بِشراهةٍ أكبر. الحُب شيء روحانيّ يِنبعثُ من الروح دون تردد، يَنطلقُ إلى السماء صافياً . الحُب لا يَتعلق بالقوة والضعف، الحُب ليسَ لهُ عِلاقة بِأحد سوى الوقت فقط، الوقت الذي من المَفترض أن يَقال بِه كل شيء بِشفافية تامة .
( أن أقول شيئاً جيّداً ) أود أن أقول شيئاً صالحاً ، وجيداً لِسائر الأمم، أن أقول حديثاً جيداً كَالنوم مُفيد، الحُب يُطيل العمر، السهر مؤذٍ للعينين، النظر للأعلى دائماً يُقصر من قامة الشخص، الضحك الطويل يَفقدنا لذة البُكاء، البُكاء بركة أي شيء، المُهم شيئاً جيداً، حينما أتحدثُ به يَصمتُ الجميع لِشدة حكمته البالغة، لكنني لا أستطيع إلا التوقف في منتصف الحديث وأجعل الجميع يُقرر، أو يكمل من عنده كلٌّ على حسب رغبته .
( تَحت ظل عَشبه) يا وجه الريّح، ما بال الريّح تبكيني ؟! وأنا المخلوقة من طين ما بال السماء تَشكيني، وأنا الشكوى في قلب الصحراء مارسَتُ عقبات هذا الليل الفقير . توجتُ القدر بأمنيات لعله يَعيش تحت ظل عُشبه تحت غيمة تُبلل هذا الرماد فَتنبت شجرة الزيتون، أو يُحلق عصفور، أو تلتمُ أوراق الشجر حول غصنها المُمتد إلى سماء .
(نًخلة) تَمنيتُ أن أكون جذع نِخلة، يِخرجُ من رأسي ورقاً كثيف يمكثون الناس تحت ظله، أو ليمون، أو أي نوع من الفاكهة. تمنيتُ أن أكون شيئاً جيداً أو نافعاً يُستفاد منه، لكني لستُ سوى كائن. ولأنني قَبلتُ أن أكون كائناً فمن المُفترض أن أنتسب لكل الأشياء السيئة والجيدة، المُحزنة والمفرحة، الحية والميتة فقط .
(نافذة أخيرة) حاولت تَقريب الحياة من وجهة نظري أنا هذه المرة، فقدت وعياً وإصراراً، مَضيت وحيدة كثيراً في أيامٍ اعتصرتُ من كبدي وجعاً أشد مرارة، حتى أجيد كتابة ما يَستحق أن يُكتب دون أن أقول شيئاً.
أنا لا أكتب الآن، أنا أحاولُ أفسر الحياة بِنقطة رُبما .