الدولة العارية حتى من ورقة التوت. الدولة (الديناصور) التي اذ تتعفن وتتحلل، تبدو عصيّة على اي عملية اصلاحية مهما كانت ضئيلة. المسميات التي تحملها الكتل النيابية لا تعدو كونها شعارات براقة، ودائما لتسويق الموت السياسي. يسألني صديق عربي: هل مات لبنان؟
بادىء بدء، لا بد من الاعتذار، بل من الانحناء، امام الفتيات السوريات التي هن «عار الجمهورية». السلطة مسؤولة. السلطة مدانة، باستعبادهن بتلك الطريقة الهمجية. الخطر في تنظيم «داعش» ليس في كونه يستلب الارض بل لانه يستلب العقل، ويستلب القلب، ويستلب الوجدان...
للفتيات السوريات، للفتيات القديسات اللواتي تواطأ ضدهن حتى ابناء بلدهن، نقول هؤلاء ليسوا اللبنانيين، بل هم الرعاع، وهم المغول الذين تنتجهم دولة غاب فيها القانون. قلنا اكثر من مرة الغربان بالياقات البيضاء. الان الضباع بالياقات البيضاء، الذين يتربعون على ظهورنا...
كل هذا المسلسل اليس الدليل على اضمحلال الدولة؟ المضحك ان هناك من يستميت في الدفاع عن اتفاق الطائف على انه الماغناكارتا (الشرعة الكبرى)، في حين هو الكوميديا السياسية والكوميديا الدستورية التي كرست انتقالنا المدوي من الطائفية الى المذهبية.
اشد هولا بكثير من الداعشية الايديولوجية، الداعشية السياسية والداعشية الاخلاقية. ما حدث للنازحات السوريات لا يمكن ان نتعامل معه كواقعة عابرة. انه اهانة لتاريخنا ولثقافتنا، ولقيمنا التي ربما كانت آخر ما يحمينا من الاندثار وسط الاعصار.
وزراء ونواب شعروا بالوجع، وجع الروح، حيال ما حصل. آخرون مثلما لا يهتز لهم جفن لا يهتز لهم ضمير، إما لان الانسان مات فيهم، ولم تبق منهم سوى تلك التماثيل الخشبية، او لانهم ينظرون الى السوريين والسوريات على انهم ظواهر ما دون البشرية...
لا احد ينفي ما يشكله النزوح من خطر، في ظل التقاطع بين الفوضى الايديولوجية التي تلاحق النازحين، وبين هشاشة الدولة في لبنان. ليس مقبولا، ونحن الذين نعيش النخاسة السياسية بأسوأ اشكالها، ان نتعامل مع المخيمات على انها اسواق النخاسة...
السوريون الذين هربوا من الجحيم لم يروا في لبنان الجحيم بل الملاذ. متى لم يكن اللبناني الوجه الذي بشموخ الجبال، والباب المشرع للضيوف. لنعد الى ما كتبه المستشرقون حول حــسن الوفـادة،وحول الرقي (الاخلاقي) في استضافة الاخر...
لكننا مثلما اصبحنا مجانين المال القاتل اصبحنا مجانين الايديولوجيا القاتلة. لاحظوا، لاشيء يصنع النائب او الوزير الا اذا كان نتاج المال القاتل والايديولوجيا القاتلة. قلة قليلة اولئك الذين ينتمون الى الناس، والى الارض التي يعيش فوقها الناس...
اين الغرابة في بلد هذه هي طبقته السياسية. الطبقة السيــاسية التي تكدس للرعــايا، وللاجيال، كل ذلك الدين العام، ودون موازنات، مع اعتذارنا من اهل الصومال على عبارة لاحد خبرائنا الاقتصاديين «صوملة المال العام»...
لكأننا لا نواجه ما هو اشد سوءاً من الصوملة السياسية، والصوملة الاقتصادية. لن تجد في الصومال الذي هو «عضو شرف» في جامعة الدول العربية، من يحوّل النازحات الى عاهرات...
لا بل ان المثير ان الصوماليين الذين يفتــقدون الحد الادنى من اسبــاب الحــياة، ولديهـم الحد الاقصى من اسباب الهلاك، يستخدمون الطاقة الشمسية لانتاج الكهرباء. هل تعلمون اي فارق بين قراصنة الصومال وقراصنة لبنان؟
قيل ان الدولة في موت سريري. سنتان بانتظار رئيس للجمهورية يطبخ، في الخارج، بطريقة الهوت دوغ، واكثر من سنتين على حكومة يصارع رئيسها من اجل عقد الجلسات، فيما الجدل البيزنطي يتعالى حول تشريع الضرورة في مدينة لطالما كانت ام الشرائع...
الدولة انتهت في لبنان ام لبنان انتهى في الدولة؟ لم يبق لدينا سوى البقية الباقية من لبنان، وسوى البقية الباقية من الدولة، لا يكفي هذا الوبال ليعاقبنا الاشقاء والاعداء على السواء، وكنا نحلم بالتسوية في سوريا، او التسوية في اليمن،لتكون التسوية في لبنان، فإذا بنا نكاد نلفظ انفاسنا الاخيرة قبل ان ينبلج الفجر...
ذات يوم، وصفنا هنري كيسنجر بالفائض الجغرافي. زاد عليه ارييل شارون بأننا الخطأ التاريخي. الطبقة السياسية عندنا جعلت من لبنان الفائض البشري. هل من غورو آخر يعلن وفاة دولة لبنان الكبير؟!