لماذا أطلقت أول طائرة دون طيار؟ لأجل المحرومين من الانترنت.. أم لملء الجيوب؟
لا تستغرب إذا رأيت شخصاً من الزولو أو قبائل الماساي في اقتراحات الصداقة الخاصة بك في غضون سنوات قليلة، بسبب المشاريع الجديدة التي تعمل على وصل أكثر الأماكن تطرفاً وفقراً بالانترنت، مستهدفة أكثر من 4 مليارات شخص في العالم لا يتصلون بشبكة الانترنت.
ويعتبر أكثر مشروعين جذباً للأضواء، هما المشروعان المتنافسان: بالونات جوجل، والطائرات دون طيار التابعة لشركة فيسبوك.
ففي فجر 28 يونيو/حزيران 2016، كان مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ مع فريقه في صحراء آريزونا يرقبون بفخر أول نموذج كامل لطائرة دون طيار تابعة لفيسبوك وهي تشق عنان السماء التي لم تشرق بعد، في رحلة تجريبية استمرت لمدة 90 دقيقة.
زوكربيرغ قال وهو يضحك لمراسل موقع The Verge، "إذا كنت قد قلت لي عندما بدأت Facebook إننا سوف نبني الطائرات ذات يوم، لقلت إنك مجنون!".
كيف تحقّق الحلم "الجنوني"؟
في سومرست بالمملكة المتحدة، كان المهندسون يضعون اللمسات النهائية على خطة فيسبوك التي تريد بها أن تهيمن على الاتصالات في العالم، أو كما تقول الشركة "خطة إيصال الانترنت للملايين في الدول النامية، الطائرة التي ستحمل هذا الحلم على جناحيها هي الطائرة دون طيار (اكويلا) Aquila، التي ستطير فوق المناطق النائية التي لا تصلها أي شبكة انترنت، وتقوم بتغطية المكان به".
الأمر بدأ منذ سنتين عندما قامت شركة فيسبوك بشراء شركة بريطانية صغيرة تسمى Ascenta، المتخصصة في الطائرات دون طيار العاملة بالطاقة الشمسية، وعينت مالكها آندي كوكس مهندساً مسؤولاً عن مشروع الطائرة اكيولا، تم الانتهاء منها مع نهاية يونيو/حزيران، وتم أخذها على شكل قطع إلى أريزونا بشكل سري، وهناك تم تجميعها لأجل الرحلة الأولى.
كيف تعمل هذه الطائرة؟
هذه الطائرة لها نفس طول الجناح لطائرة من طراز بوينغ 737، إلا إنها لا تزن أكثر من ثلث وزن سيارة صغيرة، تتكون من هيكل عملاق مصنوع من طبقة رقيقة من الإسفنج مغطاة بألياف الكربون، مع أربع مراوح، هذا الهيكل الكربوني هو ما يدعم صلابة الطائرة وكل شيء فيها، بداية من مزود خدمة الانترنت، إلى البطاريات والألواح الشمسية، حيث تعتمد على الألواح نهاراً والبطاريات بعد غياب الشمس، الفكرة تعتمد على بناء أسطول من الطائرات دون طيار مع أجهزة لبث إشارات الراديو أسفلها، عبر منطقة قطرها 160 كيلومتراً، وهي الإشارات التي تستخدمها المحطات على الأرض في توفير الانترنت في حواسيب الناس، وقد تعرضت الطائرة للأضرار بسبب هشاشتها عندما هبطت على أرض صخرية، لكن عندما تبدأ في الخدمة الفعلية فإنها ستهبط على العشب.
السيد كوكس مهندس الطائرة قال إنه ما يزال هناك طريق طويل نقطعه، ومن المفترض أن تطير الطائرة على ارتفاع 60 إلى 90 ألف قدم فوق الطيران الجوي التقليدي، ما يعني أنها لن تؤثر على حركة المواصلات الجوية كما إنها لن تتأثر ببرودة الطقس، تستطيع أن تطفو على ارتفاع 90 ألف قدم في النهار وبالليل ارتفاع 60 ألف، للحفاظ على الطاقة، وتأمل الشركة أن تهزم الرقم القياسي الخاص السابق لبقاء طائرة دون طيار معتمدة على الطاقة الشمسية في الجو، والذي لم يتعد الأسبوعين، إذ تنوي الشركة أن تصل مدة تحليق طائرتها في الجو دون هبوط إلى ثلاثة شهور.
جوجل وفيسبوك.. من يربح، السلحفاة أم الأرنب؟
الشركتان تبدوان كأنهما في سباق للاستثمار في أشياء تطير في الجو، بارتفاع ضعف الطائرات الطبيعية، لتبعث بالانترنت للمناطق المهمشة على الأرض، لكن الخطة مختلفة لدى كل شركة، ففي الوقت الذي تعتمد فيه فيسبوك على إقامة سلسلة من الطائرات الشمسية المرتفعة عن الأرض، واستخدام الليزر في نقل البيانات من الأرض إلى إحدى الطائرات، التي تقوم بدورها بنقله إلى بقية الطائرات بأشعة الليزر، فإن بالونات جوجل لا تتجاوز ارتفاع 20 كيلومتراً في الجو، كما إنها لم تطلق نموذجاً واحداً فقط، بل أطلقت ما يصل إلى 1000 منطاد، لم تقم بتجربة واحدة وإنما طارت مسافة تصل إلى 20 مليون كيلومتر حول العالم، لدرجة إن واحدة من البالونات طافت العالم 19 مرة.
وتبقى البالونات طافية في الجو بفضل حقيبة مملوءة بالهيليوم مزروعة في غلافها البلاستيكي الخارجي، وتدفعها الريح من مكان لمكان، مرتبة بشكل دائري بحيث تغطي هوائياتها المكان، وقد كافحت الشركة لتزيد مدة بقائها في الهواء من أسبوع إلى 150 يوم، وهي لا تستخدم الليزر، وإنما تستخدم إشارات الراديو لنقل البيانات، لكن قدرة جوجل على بث الانترنت لم تتجاوز 500 ميجا في الثانوية الواحدة، وهذا مجرد جزء بسيط من عشرات أو مئات الجيجابايتات في الثانية التي تعتقد فيسبوك أنها قادرة على الوفاء بها، لكن نائب مشروع Project Loon الخاص ببالونات جوجل، قال إن إشارات الراديو هي تكنولوجيا أكثر تطوراً من الاتصالات البصرية، فهي تستطيع البقاء أطول كما إنها تكلف أقل، لكنه استطرد في نفس الوقت أن شركته سوف تنظر بالتأكيد إلى أي تكنولوجيا تساعدها في أداء أفضل.
قد تسقط على رأسك.. أخطار في الطريق
فكرتا الطائرات والبالونات، كلتاهما تعتمدان على البقاء طافياً في السماء، ولهذا فإن احتمال الحوادث يزيد، ومع إن وزن اكويلا أقل من وزن سيارة، إلا إنك لن ترغب بالتأكيد في واحدة كهذه تتجه صوب رأسك بسرعة طائرة ركاب، أحد المهندسين القائمين على مشروع طائرات فيسبوك أكد أنه لا يوجد خطر وشيك، كما إنه قال إنها لم تنل رخصة الطيران فوق رؤوس الناس بعد.
وأضاف المهندس، أن فيسبوك ما يزال عليها أن تقوم بالآلاف أو عشرات الآلاف من ساعات الطيران، وأن تقوم بإفشال متعمد، كي ترى إمكانيات تغلبها على التحديات أو درجات الحرارة الباردة، أما بالنسبة لبالونات جوجل فهي نشطة بالفعل، وتأمل أن توصل الانترنت قريباً لإندونيسيا وسيريلانكا، لكن نائب المشروع يقول إنها مثل أي طائرات في الجو، يمكن مراقبتها، ويستطيعون أن يعرفوا دائماً أين هي البالونات الآن، واعترف أن الأمور قد تخرج عن السيطرة أحياناً، فقد شهدوا بعض البالونات التي هبطت في وقت أبكر من المتوقع، لكنهم واجهوا الموقف بتوجيهها إلى مكان آمن للهبوط، كما إنهم تواصلوا مع الطائرات كي ينسقوا الأمر معها.
لأجل سواد عيون المحرومين أم ملء الجيوب؟
عندما وجّه مراسل BBC السؤال لأحد مهندسي المشروع جاي باريخ، حول العائد على أصحاب الأسهم في فيسبوك من هذا الأمر، تجنب الأخير الإجابة مؤكداً فقط إن الهدف هو مساعدة شركات الاتصال لخفض ثمن الاتصال بالانترنت.
لكن فيسبوك لم تسلم من الجدل، فقد رفضت الهند السماح بمشروع Free Basics الخاص بفيسبوك، والذي يتيح للمواطنين الاتصال مجاناً بخدمات معينة على الانترنت عن طريق هواتفهم المحمولة، قائلين إن فيسبوك تقوم بالسيطرة على ما يقدم، وسط شكوك من أن يكون الهدف من المشروع هو تقوية نفوذ الشركة، وتحقيق الأرباح.