كلنا ذلك الانسان،
إما أنه محروم ومضيق عليه لحد الالم،
وإما متمتع برغباته ومنعم عليه الى حد السأم،
فإن لم يكن من المتألمين الذين يبحثون بكل قوتهم عن اسباب
تجلب لهم ما ينقصهم لكي يشعروا بالسعادة ولو بشكل مؤقت،
فهم بلا شك من الذين تمتعوا بما في ايديهم من النعم والعطاء الى حد السأم فهم ايضا
يبحثون عن اسباب تجلب لهم ما ينقصهم لكي يشعروا بالسعادة من جديد،
فنحن في حياة بين السأم والألم، وقد وصفها الله عز وجل واقسم على ذلك
بقوله سبحانه (لقد خلقنا الانسان في كبد)..
والمكابدة والمشقة رهن بالانسان من ولادته الى أن يشيخ
فيصيح من آلام الكبر حتى يعالج سكرات الموت،
وهذا المشهد المؤلم لهذه الحياة الشاقة حقيقة لابد ان تكون هي الاصل في اذهاننا،
اصل لا ننساه ولا تخدعنا عنه المزينات والشهوات وحب الدنيا وحب الخلود
وتلك الحلاوة التي اوجدها الخالق في نفوسنا لتكسر حد مرارة المشقة والمكابدة.
وجود هذا السأم وهذا الألم من الحكم العظيمة التي تمثل قطبي المغناطيس
لكي تدور آلة الحياة،
فألم الحرمان يبعث على الكدح والعمل وإعمار الارض،
وكذلك السأم يبعث على السعي للتغيير والانفاق وتحريك عجلة الحياة،
وبهذا يجعل الله الناس بعضهم لبعض سخريا، واهم من هذا كله الا يركن الانسان
الى هذه الدنيا عندما يراها جنة لا كدر فيها ولا نصب ولا الم ولا سأم
فيخلد اليها وينسى آخرته.
وبهذا التلخيص والتبسيط لهذه الفلسفة، نتيجة جيدة لعلاج نفوسنا
وما تعانيه من الالم والقلق والكآبة وانعدام الثقة،
فأنت تكلف الاشياء فوق طباعها، وطبيعة الحياة هو الكبد والمشقة،
والذكاء الفطري يدعوك الى التمتع بهذه الحياة حتى تنتهي،
متحملا ما فيها من الكدر والنصب، صابرا ومتصبرا،
وشاكرا لما فيها من النعم وان قلت او ندرت،
تصبر على ذاك محتسبا عند الله عوضا بجنة لا تشقى فيها،
وما اصابك من نعم هذه الدنيا فاحمد الله عليها واستزد من النعم بالشكر
وحسن العبادة لمن هو قادر وحده على ان يبدل طبيعة الحياة القاسية الى نعيم الى حين،
وفي ذلك فقط راحة للنفوس والعقول المتألمة..