دافنشـي روبـوت.. معجزة تقنية غير مسبوقة للعمليات الجراحيـة
0 تتابع التطورات التقنية شق طريقها الحافل بالإنجازات التي جمعت الإبهار، الجمال، الدقة العالية، والفائدة الكبيرة بلا شك. ما من مجال في هذه الحياة إلا وسرت إليه هذه لتقنيات التي نظمته وزادت من فعاليته وكفاءته إلى حد لا يُصدق، بدءاً من الحواسيب المكتبية الصغيرة، والهواتف المحمولة وغيرها، وانتهاءاً بالأجهزة الضخمة التي أنجزت مهاماً عظيمة في خدمة البشرية، وهذا هو حال الجهاز ذي التقنية الفائقة والتصميم الهندسي البديع “Da Vinci Robot”.
لماذا “دافنشي“؟
يعود هذا الاسم الذي دُعي به الجهاز إلى ليوناردو دافنشي الرسام، المخترع، الفيلسوف، ورائد حركة النهضة الفنية في الرسومات التشريحية لجسم الإنسان التي ساهمت بشكل كبير في فهم أعمق لبنية أجسامنا، والتي كانت سبباً استخدمه ليوناردو مع توظيف مهاراته الميكانيكية لصنع أول روبوت معروف في التاريخ عام 1495، ومن هنا تم اتخاذ اسم الجهاز الذي نتحدث عنه. قامت شركة (Intuitive Surgery) بصناعة هذا الجهاز عالي التقنية متغلبة على العديد من المصاعب حتى حصلت على القبول من منظمة الدواء والغذاء الأمريكية عام 2000. ممّ يتكون الجهاز؟ وما هو دور كل مكون فيه؟ لهذا الجهاز مكونات أساسية بغض النظر عن مكوناته الإلكترونية المعقدة التي كلفت ملايين الدولارات، هذه المكونات هي: 1. وحدة التحكم الجراحية
يجلس الجراح مقابل هذه الوحدة التي تبعد عدة أقدام عن طاولة العمليات التي يستلقي عليها المريض، ويكون رأسه بوضعية مائلة وهو ينظر إلى الشاشة ثلاثية الأبعاد التي تريه تقدم سير العملية بالزمن الحقيقي لها. وتحت هذه الشاشة تكون أدوات التحكم في متناول يد الجراح ليقوم بتحريكها فتتحرك معها الأدوات الجراحية التي سنتحدث عنها، مما يمكن الطبيب من التحرك بسهولة ويسر داخل جوف المريض وفي مسافات قليلة لا تتجاوز القدم المكعب، وكإجراء للأمان لا تعمل الآلة إلا في الوضعية التي يميل الطبيب فيها رأسه مقترباً من الشاشة. 2- الطاولة (العربة) التي يستلقي عليها المريض
تُثبَّت الأذرع الآلية إلى هذه العربة مما يمكن من الدخول إلى جوف المريض وإجراء العمل الجراحي، عدد هذه الأذرع ثلاثة أو اثنان حسب الحاجة، وتحوي أحد الأذرع منظاراً لتصوير العمل في الداخل وعرضه على الشاشة ثلاثية الابعاد. وقامت شركة (Intuitive Surgery) بإضافة ذراع رابعة للعمليات المعقدة، مما أضاف المزيد من التحكم، ومكن من الاستغناء عن وجود الممرضين في غرفة العمليات، وقد كانت تكلفة إضافة هذه الذراع الرابعة فقط حوالي 175 ألف دولار. 3- الأدوات الجراحية في نهاية الأذرع
في نهاية الأذرع التي يقوم الطبيب بالعمل الجراحي عن طريقها يوجد ما يشبه الرسغ، مما يمكن الطبيب من المناورة بحركات تشبه حركة اليد البشرية، فيتمكن من القيام بحركات الجراحة من خياطة وتثبيت، ويمكن للجهاز أن يقوم بحفظ الموقع الذي كانت اليد الإلكترونية فيه قبل أن تقوم بحركة خياطة ،أو لقط وتثبيت وغيرها، مما يمكن من عودتها إلى موقعها السابق دون أن تلمس شيئاً. كما يمكن لهذا “المعصم” الجراحي ان يدور حول نفسه دورة كاملة، ويستطيع الجراح التحكم بالقوة المطبقة، وهي تتراوح بين كسر من الأونصة، إلى عدة باوندات (وحدات وزنية لكنها تشير إلى القوى أيضاً)، وأضافت الشركة المصنعة ميزة تعديل حركة يد الجراح وتحسينها متفاديةً الارتجافات التي يمكن أن تحدث، أو تغيير المستوى الأفقي الذي يعمل فيه، ويعتبر هذا تميزاً يتقدم على قدرة الإنسان الطبيعي في حركة يده، ويوفر المزيد من التحكم. 4- نظام الرؤية ثلاثية الأبعاد
يعطي المنظار الذي يثبت إلى أحد أذرع الجهاز صورة معدلة ثلاثية الأبعاد، بدقة عالية، في الزمن الحقيقي للعمل، وتمكن هذه الكاميرا الطبيب أن يرى مكان العمل الجراحي عن كثب وبشكل أفضل من الرؤية الطبيعية التي يحصل عليها الجراح. يعطي نظام الرؤية هذا حوالي ألف صورة واضحة عن حركة الأداة الجراحية في الثانية الواحدة، كما تتم تنقية الصورة عن طريق معالج الكاميرا الفيديوية الذي يمنع تشويش الخلفية على صورة الأداة الجراحية وهي تتحرك. كما أن هذا النظام في الرؤية مبرمج على تعديل درجة حرارة طرف المنظار مما يمنع الضباب الذي يتكون على عدسته في حال تبدل درجات الحرارة، كما يستطيع الطبيب أن يبدل المشهد الذي يراه من الجسم أثناء عمله لينتقل إلى ساحة جراحية اخرى عن طريق دواسة تكون عند قدمه. ويحوي الجهاز بطارية تمكنه من العمل لعشرين دقيقة إضافية في حال انقطاع التيار اكهربائي عنه، كما تحوي كل قطعة من الجهاز رقاقة إلكترونية تمنع من عمل القطع المصنعة من قبل شركات أخرى على الجهاز الذي صنعته (Intuitive Surgery). العمل الجراحي
تختلف طريقة الدخول إلى الجسم البشري والقيام بالعمليات المطلوبة عن الطريقة التقليدية في شق الجسم، حيث يتم الدخول عن طريق شقوق صغيرة متعددة تتوضع في أجزاء متقاربة من منطقة العمل الجراحي. ويتم دخول الأذرع إلى الجسم عن طريق هذه الشقوق، وإجراء العملية بعد ذلك، مما يجعل احتمال الإصابة بالإنتانات معدوماً، ويقلل فترة بقاء المريض في المشفى، كما يترافق مع ألم أقل من الألم المعتاد في الأعمال الجراحية التقليدية، فضلاً عن ظهور نتائج أفضل من نتائج العمل الجراحي العادي. الكلفة
واجهت الشركة المصنعة العديد من النكسات والعقبات التي تمثلت في برمجة حاسوب آلة دافنشيعلى تنظيم حركة المعدات الجراحية، وتطلب ذلك مزيداً من الأموال التي تمّ دفعها، لكن سرعان ما أقبلت المشافي على هذا الجهاز الذي كان إبداعاً مبهراً فريداً من نوعه، وكانت مبيعات الشركة سنة 2004 وحدها حوالي 138.8 مليون دولار، بتكلفة تعادل 1.5 مليون دولار لكل جهاز مُباع. بعض المساوئ تسبب العمليات الجراحية آلاماً سواء كانت بآلة دافنشي أم بالطرق التقليدية، ولكن في آلة دافنشي يتم ضخ غاز داخل جوف الجسم يتيح بعض المكان لمناورة الأدوات الجراحية داخل الجسم، وهذا قد يسبب ألماً أو شعوراً بعدم الراحة. قد تتسبب الأذرع الآلية بأذيات عصبية، وفي حال اضطر الطبيب للعدول عن القيام بالعمل الجراحي عن طريق آلة دافنشي إلى الطرق التقليدية، فهذا يتطلب جرعات زائدة من المخدر وقد يؤدي إلى مخاطر، لذلك يجب دراسة وضع المريض جيداً قبل البدء بعمله الجراحي. أثناء العمل الجراحي، إذا حدث التصادم بين ذراعين من الأذرع التي يعمل بها الطبيب لا تتوقف الآلة عن العمل، وقد يسبب هذا مشكلة، لذا يتحتم على الطبيب أن يكون كامل الانتباه إلى الشاشة حتى لا يقع في مثل هذا الخطأ. كما تعتبر الكلفة العالية والحجم الكبير للجهاز من المساوئ أيضاً. في الحقيقة لم أرَ في هذا الجهاز إلا إبداعاً هندسياً، علمياً، طبياً، وتقنياً، وقد راقت لي ميزاته حتى نسيت أن له مساوئ محتملة، فكما قرأتم تفوقت معدات الجهاز على قدرات الإنسان الطبيعي، وأمنت له بيئة مثالية للعمل باحتمال خطأ أقل، ونسبة أمان عالية، ورؤية واضحة كل الوضوح. ربما يكون المستقبل حاملاً للمزيد من الافكار التي تمكن الشركة المصنّعة من تفادي بعض المساوئ التي لوحظت في الجهاز، فهذا الإبداع فريد من نوعه، ولا بد أن يكون محط اهتمام وتطوير كبيرين.