ولا شك أنه كان لعمر رضي الله عنه من خلال الخير وخصال الإيمان ما لم يبلغ أحد من هذه الأمة شأوه ، سوى صديق هذه الأمة الذي سبقه ، وفُضّل عليه ، وأما من سواه ، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن بعدهم ، فما بلغوا في الولاية ، ولا خصال الإيمان منزلته ، ولا باراه أحد فيها . ومع ما كان عليه عمر رضي الله عنه من عظيم الإخلاص ، والصدق ، وما أعطيه من منازل الخير والتقوى ، فالذي يظهر أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، من فرار الشيطان من عمر رضي الله عنه : كان كرامة له ، وخصوصية ، خصه الله بها ، لا يلزم أن يكون قد أعطيها لأجل عمل معين قام به ؛ بل ربما كان ذلك لتكامل خصال الخير فيه ، أو لأمر معين ، لا نعلمه ، ولم يأتنا خبر من الصادق أن من فعل كذا ، فر الشيطان منه ، ولا نعلم أن تلك الكرامة قد حصلت لغيره من الأمة أصلا .
ولعل من أعظم تلك الخصال غيظا للشيطان ، وإعانة لعمر رضي الله عنه عليه ، حتى فر منه : صدق لهجته في الحق ، فلا يداهن ، ولا يداري ، وقوته في الأخذ به ، فلا يضعف عنه ، ولا يلين . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَسْتَطِيلُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِهَوَاهُ ، وَعُمَرُ قَمَعَ هَوَاهُ " . انتهى من " منهاج السنة النبوية " (6/ 55) .