تُعد تقنيات توليد الطاقة من الرياح، والمياه، والطاقة الشمسية، من المصادر المألوفة للطاقة الصديقة للبيئة. ولكن ماذا لو كان بإمكاننا أيضًا الحصول على طاقة بديلة من المشروبات التي نشربها، والكائنات الدقيقة المنتشرة في محيطنا، بل وحتى من أجسادنا؟ ما نتحدث عنه ليس تخيلات مستقبلية، بل تجارب واقعية تسري الآن بالفعل. في ما يلي نستعرض بعضًا من أكثر الطرق غير التقليدية، التي تستخدم في توليد الطاقة.
القهوة.. نشِّط ذهنك واشحن هاتفك
قهوة الصباح عادة محببة لدى الكثيرين، لكن هل تعلم أن دورها لا يقتصر على تنشيط ذهنك فقط، بل بإمكانها أيضًا تشغيل سيارتك؟ اكتشف باحثون بجامعة باث في المملكة المتحدة، أنَّ حقول القهوة يمكنها أن تصبح مصدرًا غنيًا للطاقة، وأنه يمكن استخراج كمية من الوقود الحيوي تصل إلى لترين، من كل 10 كيلوجرامات من القهوة. يحدث ذلك عن طريق نقع القهوة في مذيبٍ عضويّ، ثم تحويلها إلى وقود حيوي من خلال عملية كيميائية تُسمى «الأسترة التبادلية». وقد أنتج الباحثون الوقود الحيوي من البنالمطحون، المزوع في 200 منطقة جغرافية مختلفة، بما في ذلك الأنواع المنزوعة الكافيين، والأنواع كاملة الكافيين، بالإضافة إلى أصناف الروبوستا والأرابيكا، وهما النوعان الأساسيان من البن المستخدم في صناعة القهوة عالميًّا.
الكحول.. شاحنات وقطارات تعمل بفضل الكحوليات الكحوليات أيضًا من المشروبات التي يمكن توليد الطاقة منها؛ إذ توصَّل السويديون إلى طريقة لاستخدام الكحول في تشغيل القطارات. حدث ذلك في عام 2006، إذ أنشأت السويد محطة لتوليد الطاقة، تعمل على تحويل المشروبات الكحولية إلى وقودٍ حيويّ. وتعمل الآن في السويد ألف شاحنة وحافلة، بالإضافة إلى قطار، باستخدام الوقود الحيوي المستخلص من الكحوليات. على الجانب الآخر، يجري في معامل تقطير أسكتلندا تحويل المنتجات الثانوية من الويسكي إلى وقود، تتولد عنه طاقة تكفي لتشغيل 9 آلاف منزل سنويًّا. وتوفِّر معامل التقطير الفرصة لإنشاء محطات طاقة محلية جديدة أكثر أمانًا على البيئة، ينتج منها معدلات أقل من ثاني أكسيد الكربون سنويًّا مقارنة بمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم.
الرياح الشمسية.. طاقة غير محدودة تُعدُّ الطاقة الشمسية واحدةً من أنظف مصادر الطاقة المتاحة حاليًا، على الرغم من كون الألواح الشمسية لا تزال تواجهها العديد من القيود الاقتصادية والعملية. ولحسن الحظ ، يعمل العلماء على طريقة أخرى لاستغلال الطاقة المنبعثة من الشمس، وعلى وجه التحديد من الرياح الشمسية. الرياح الشمسية ليست رياحًا كالتي نعرفها بالضبط، بل هي أشبه بتدفُّقٍ مستمرّ للجسيمات المتسارعة؛ إذ تتكون الرياح الشمسية من عدد هائل من الجسيمات المشحونة، التي تنبعث من الشمس بسرعات عالية جدًا. يمكن استخدام هذه الجسيمات في توليد الكهرباء، باستخدام شراع شمسي ضخم وأسلاك مشحونة، تعمل على توليد الطاقة من الرياح الشمسية التي تمر على طولها. ووفقًا للتحليل الأولي الذي أجرته جامعة واشنطن، فإن مقدار الطاقة التي يمكن توليدها من الرياح الشمسية غير محدود، ويرتبط فقط بحجم الشراع الشمسي الذي تستخدمه. وإذا استخدمنا أسلاك نحاسية بطول 300 متر، متصلة بمُستقبِل بعرض مترين، وشراع شمسي بطول 10 أمتار؛ يمكن أن يُولّد ذلك طاقة كهربائية تكفي ألف منزل. مع ذلك، فإن أكبر مشكلة تُواجه هذه التقنية، هي كيفية إرسال الطاقة المتولدة إلى الأرض. وكانت أفضل فكرة مقترَحة حتى الآن؛ للتغلب على هذه العقبة، هي إرسال تلك الطاقة إلى الأرض باستخدام حزمة من أشعة الليزر.
الرسائل النصيَّة.. مراسلة الأصدقاء قد تولَّد الكهرباء كذلك يشيع إرسال الرسائل النصية إلكترونيًّا في كل مكان، وصار كثير من الأفراد يفضلون التواصل عبر الرسائل الإلكترونية عن إجراء المكالمات. ويقضي الشخص البالغ -وفق بعض التقديرات- 233 ساعة في الأسبوع في إرسال الرسائل النصية. وتتزايد هذه الأرقام مع استمرار مستخدمي الهواتف المحمولة في التخلي عن طرق الاتصال الصوتية التقليدية. وفي عام 2008، عُرض هاتف مبتكر في مسابقة «Greener Gadgets Design Competition»، يعمل على تسخير الجهد الناتج من الرسائل النصية، وتحويله إلى طاقة قابلة للاستخدام. وتتلخص طريقة عمل الجهاز في أنه عندما يحدث الضغط على الأزرار البلاستيكية للهاتف، الذي يُسمى «اضغط للشحن» ، تضغط الأزرار على معادن معينة لتوليد الجهد، ثم يجري نقله إلى بطارية للتخزين. تُولّد كل ضغطة زر مقدار من الطاقة يبلغ 0.5 واط، والذي يمكن أن يزداد بسرعة مع الوقت ليُنتج كمية كبيرة من الطاقة. ويمكن استغلال هذه الطريقة أيضًا في تحويل كثير من الإلكترونيات الأخرى؛ لاستخدامها في إنتاج النوع نفسه من الطاقة؛ الأمر الذي يزيد من توليد الطاقة زيادة كبيرة من خلال مزاولة الأنشطة اليومية الاعتيادية.
التنفس.. اركض واشحن هاتفك كذلك
هل يمنعك الكسل من ممارسة الرياضة أو الركض؟ ربما عليك التنشُّط قليلًا؛ إذ إن الركض لن يساعدك في تحسين لياقتك البدنية وحسب، بل سيعطي هاتفك الجوال أيضًا دفعة بفضل الاختراع المبتكر، الذي يستخدم الهواء من رئتيك في شحن هاتفك. يطلق على الجهاز اسم «قناع AIRE»، ويعمل على تسخير طاقة الرياح التي تنشأ عن التنفس، وتحويلها إلى طاقة كهربائية قادرة على تشغيل أي شيء، بداية من جهاز آي بود الخاص بك إلى هاتفك النقال، بالإضافة إلى تغذية جهاز تنظيم ضربات القلب، وبعض الأجهزة الطبية الصغيرة.
يحتوي القناع الإلكتروني على توربينات رياح صغيرة، وتُنقل الطاقة الناشئة عن التنفس من خلال كابل إلى جهازك الإلكتروني. كذلك لا يتطلب القناع الحركة؛ إذ يعمل بشكل جيد خلال النوم.
البكتيريا والطحالب.. وقود حيوي من الكائنات الدقيقة
يعمل العلماء على إنتاج الوقود الحيوي من الكائنات الدقيقة، مثل البكتيريا والطحالب منذ عقود طويلة، والذي يجري الحصول عليه من خلال مزيج من الزيوت النباتية والكحول. وقد وجد الباحثون طريقة لاستخدام سلالات غير ضارة من بكتيريا «الإشريكية القولونية» (E. coli)؛ لإنتاج طاقة صالحة للاستخدام. تعتمد هذه الطريقة على إجراء بعض التعديلات الوراثية على البكتيريا، تجعلها تُفرز أحماضًا دهنية تُشبه تلك الموجودة في النفط الخام؛ الأمر الذي يُمكننا من تحويل النفايات الزراعية إلى وقود يُمكن استخدامه، ضمن محاولات استخدام البكتيريا في إنتاج الوقود. على الجانب الآخر، قد يكمن مستقبل إنتاج الطاقة على كوكبنا داخل الطحالب، تلك الكائنات الدقيقة الخضراء المنتشرة على أسطح المياه. تملك الطحالب القدرة على تخزين الطاقة في صورة زيت، وإذا استُخرِج هذا الزيت في ظل الظروف المناسبة؛ يمكن تحويله إلى وقود حيوي قابل للاستخدام. وبما أن الطحالب متوفرة في جميع أنحاء العالم؛ يمكن إنتاج كميات ضخمة من الطاقة المتجددة عن طريقها. ويقدر العلماء أن الطحالب يمكنها أن تكون أكثر إنتاجية 100 مرة من مصادر إنتاج الطاقة الحيوية الأخرى.