هل لاحظت أن الشمس تشرق كل يوم من جهة تختلف عن اليوم السابق؟ وهل لاحظت أن القمر يطل علينا كل يوم بوجه جديد وفي وقت جديد؟ هل لاحظت أن الأرض تغير جلدها ومظهرها كل فصل؟ وهل لاحظت الأشجار والأزهار كيف تنمو كل يوم ويتجدد مظهرها ... لعلك تلاحظ ذلك ... أو ربما لا تنتبه إلى التجديد الذي يحدث كل يوم بسبب أنه يحتاج إلى إرهاف في الحواس لا يملكه كل إنسان. مع ذلك فإن التجديد موجود، سواء لاحظته أم لم تلاحظه، موجود في كل شيء حولك ، في الجماد والنبات والحيوان، وهذا هو سر الحياة العظيم ..
إنها تجدد نفسها باستمرار، هكذا خلقها البارئ سبحانه وتعالى وقدر لها أن لا تثبت على حال وذكاء الإنسان وتقدمه ونجاحه يكمن في انتباهه لهذه السنة الإلهية في الخلق .. وكيف يمكن أن يستفيد منها في حياته.. ومن تساوى يوماه فهو مغبون ! فالكسول الخامل وحده يرضى أن يكون يومه مثل أمسه وغده مثل يومه .. فكيف يطلب النجاح في الحياة وكيف يخدم دينه وأمته؟!
التجديد سر الحياة .. ولعل من أسرار رمضان العظيمة انه يجبرنا على التجديد في حياتنا اليومية، فنعيش في جو إيماني يختلف عن كل أشهر السنة، بل إن مفردات حياتنا تختلف كلياً عما اعتدناه في باقي العام. وهذا درس يستفيد منه العقلاء ..
جدد في طريقة نومك وطعامك ولا تكن جامداً على روتين واحد. جدد في قراءتك وثقافتك ولا تتيبس على نوع واحد من العلوم. جدد في تواصلك مع الآخرين واكتشف نقاط الضعف عندك في التواصل وعالجها. جدد في نظرتك للحياة ولا تتمسك برأي واحد تُفني عمرك بالدفاع عنه !
وبعد أن يمضي العمر تكتشف أنك كنت مخدوعاً أو مغرراً بك . إن كنت معلماً جدد في طريقة تعليمك لطلابك وان كنت خطيباً أو واعظاً جدد في أسلوب خطبتك ووعظك وان كنت صاحب دكان جدد في ترتيب بضاعتك وحول بعضها مكان بعض وستجد أن صورة دكانك قد تغير.
إن التجديد ليس صعباً ولكنه يحتاج إلى اقتناع به وشجاعة كافية لتنفيذه. وأول واخطر تجديد يفعله الإنسان الناجح هو التجديد في الفكر .. لأن الجمود والنجاح لا يجتمعان في عقل امرئ مؤمن .
ولو بحثنا في تاريخنا وتاريخ الأمم الأخرى لوجدنا أنها سادت عندما آمنت بسنة التجديد .. ثم بادت عندما كفرت بهذه السنة وحاربتها، وسنن الله تعالى في الخلق لا تُحارب ولن يغالبها أحد إلا غلبته .. ولكن الله تعالى أذن لنا أن نستخدم هذه السنن فيما ينفعنا لإعمار الأرض .
وإذا تركنا دروس التاريخ، وبحثنا في سر تقدم الأمم في عالمنا المعاصر لوجدنا أن السر الأعظم يكمن في إيمانها بالتجديد المستمر وكلما أتقنت استخدام هذا السر كلما تقدمَت على غيرها .
ونحن المسلمين- أولى من غيرنا، أو هكذا يفترض .. لأن ديننا العظيم أعطى للعقول مطلق الحرية في التفكير والتجديد في كل شيء باستثناء أركان الإيمان والإسلام .. وكل شيء سواها خضع لبحث العلماء وجاز فيه اختلاف الآراء ومؤلفات علماء السلف في هذا واضحة جلية .
ويبقى القرار لك وحدك .. هل تريد أن تقف ويتجاوزك الزمن، وتعيش كالميت لا جديد في أيامك .. أم تريد أن تجدد في حياتك وتجدد بها وتحدث تغييراً ؟.