"السكوت جريمة.. ولازم الناس اللي تحت تراقب الناس اللي فوق" قرأ الكثير منا رواية "تراب الماس" للروائي المصري المبدع "احمد مراد" وهي رواية واقعية، تدور في إطار من الدراما والغموض، تروي قصة الشاب الصيدلاني "طه الزهار" الذي يجد نفسه مرغماً على دخول عالم من الخسة والدناءة والشرور، عالم لاشرف فيه، تتزاحم فيه المصالح الشخصية لمن غلبتهم شهوات السلطة والمال والنفوذ فصاروا قتلة وقوادين وعاهراتٍ وشواذ بامتياز حتى صار كل ذلك مهنة لهم ومصدراً لكسب قوتهم. وإذ أجد نفسي غير مختص في الفن ونقد الفن وأنظر للمصنفات الفنية من منظار المشاهد الذواق، والكاتب الذي يحاول تخيل ما سيكون من تصرفات شخوص الفيلم- الرواية بعد المشهد الحالي عبر وضع خطة عامة ربما يكون مسار الفيلم موجهاً وفقاً لها. ولكن كل ذلك يمكن أن يكون خاطئاً بكل بساطة أمام ذهنية كاتب ذكي ومخرج فطِن. تمر الخمسون دقيقة الأولى على مهل في وصف ورسم الخطوط العامة لمفتتح الفيلم.. وهي في معظمها يمكن اختصارها في نصف ساعة كحدٍ أعلى، ثم تتسارع الأحداث منذ مقتل "والد طه" وحتى النهاية. آسر ياسين، منة شلبي، شيرين رضا، عزت العلايلي، عادل كرم و إياد نصّار.. كلهم أثبتوا جدارة كبيرة في الكثير من الأعمال التلفزيونية والسينمائية التي انيطت بهم أبطالاً أو أبطالاً مساعدين أو ممثلين ثانويين.. وهذا يُحسب لصالح اسرة الفيلم. من بين هؤلاء راق لي بشكل كبير دور إياد نصار، الإعلامي التلفزيوني الكبير، المهزوز في داخله، الضعيف في تكوينه النفسي، والذي يحاول أن يظهر بشكل القوي المتزن الرصين لكل متابعيه.. لكن شهواته تغلبه في وكره (شقته) التي يسجل فيها أفلاماً خليعة لممارساته مع هذه وتلك ابتزازاً لهن وتحقيقاً للذة وشهوة وسلطة مفقودة مطلوبة متحققة في فعله ذاك. شيرين رضا، تلك السيدة المتكبرة التي صنعت لها ما تظنه أمجاداً وإنجازات في مملكتها القائمة على تقديم ليالي حمراء يصنعها شواذ تعدّهم لتسلية "هاني برجاس" رجل الأعمال الشهير والمرشح للبرلمان المصري، وابن "محروس برجاس/عزت العلايلي" رجل القانون ورجل الدستور المصري الكبير. عادل كرم، اللبناني الجرئ، الذي يحاول وضع بصمته في السينما المصرية عبر أكثر الأدوار جرأة في الفيلم "هاني برجاس" الذي قدّمت له في اعلاه.. قد يقول قائلٌ ممن شاهدوا الفيلم أنني أهملتُ دور البطل/ البطلين.. فأجيب أنني لستُ ممن تروق له الأدوار الباردة السلبية التي تصنع النهايات السعيدة وتحيدُ عن الحق قليلاً لكنها تعود بيضاء في النهاية.. هذه سِمَتي في قراءاتي ومشاهداتي.. فأنا لا أميل للشخصيات المسطحة بشكل عام، وربما اعتبرت ضعف شخصية البطل "طه" وسلبيته سبباً في بعض الوهن للرواية والفيلم معاً. مما استوقفني في هذا الفيلم بالذات قدرة المخرج الكبيرة على توظيف التابوهات الخادشة والممنوعة والمحرمة بشكل رائع في خدمة المصنف الفني عامة لا العكس، كما تظهره افلامٌ أخرى ارتكزت في نجاحاتها على عدة لقطات خادشة للحياء أو مثيرة جذبت المشاهدين نحوها وافرغت تلك الأفلام من محتواها ليصبح الفيلم كله بضع دقائق يتهافت بسطاء الثقافة لمشاهدتها والاستمتاع بها.. فالمخرج ها هنا جسّد كل المشاهد الجريئة تلميحاً لا تصريحاً، عبر لقطات سريعة لاتركز فيها الكامرة على العناصر المرتبطة بالفعل الجسدي من مكونات الجسد أو مكونات المكان أو حتى توقيت الساعات والزمن وغير ذلك. وخلاصة القول أن الفيلم جيد جداً.. لا أخاف ولا أخشى من مشاهدة مراهقين له، فالحياة الواقعية فيها من الفساد والانحطاط بقدر ما فيها من الجمال والرفعة وحسن الخُلق، ولا بدّ لنا من عيش التجارب إن لم يكن واقعاً فخيالاً ومشاهدةً لنكتسب القوة بمواجهة كل الرذائل. التقييم العام: (8 من 10).