الأمام الشافعي هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب، بن عبيد بن يزيد، بن هاشم بن المطلب، ابن عبد مناف على ما تروي الغالبية من مؤرخي الرجال، فهو بذلك قرشي، وأما أمه فهي أزدية على الصحيح وكنيتها أم هبية الأزدية.
ولد الإمام الشافعي بغزة سنة 150 هـ وهي السنة التي توفي فيها الإمام أبو حنيفة، وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين. والشافعي وإن كان قد ولد من نسب شريف، ولكنه عاش يتيما عيشة الفقراء إلى أن استقام عوده، وقد حرصت والدته على تثقيفه فحفظ القرآن الكريم بسهولة نادرة، ثم اتجه إلى حفظ الأحاديث فاستمع إلى المحدثين وحفظ الحديث بالسمع ثم كتبه على الخزف أحيانا وعلى الجلود أحيانا أخرى.
وقد كان مع حفظه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يميل إلى تعلم الفصحى، فخرج بذلك إلى البادية ولزم اهلها. وقد أقام في البادية مدة طويلة استغرقت عشر سنوات كما ذكر ابن كثير في إحدى الروايات، جعلته يتخذ من عادات أهل البادية ما يراه حسنا. أما العلم فقد طلبه الشافعي بمكة، فتفقه وبلغ شأنا عظيما في الفقه ومن ثم رحل إلى المدينة ليستفيد من فقه الإمام مالك بن أنس. فروى عنه الموطأ ودارسه في المسائل التي كان يفني فيها الإمام مالك إلى أن توفي عام 179 بوقت بلغ الشافعي فيه سن الشباب.
وبعد رحلة إلى نجران باليمن، قدم الشافعي بغداد سنة 184 وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، فأقام فيها حوالي سنتين أخذ يدرس خلالها فقه العراقيين، فقرأ كتب الإمام محمد بن الحسن، وتلقاها عليه وبذلك اجتمع له فقه الحجاز وفقه العراق، ومن ثم عاد الشافعي إلى مكة وأخذ يلقى دروسه في الحرم المكي والتقى به أكابر العلماء واستمعوا إليه، وفي هذا الحين التقى به الإمام أحمد بن حنبل وأعجب بنجابته.
عاد الشافعي إلى بغداد للمرة الثانية عام 195هـ، فألف لأول مرة كتاب " الرسالة " الذي وضع فيه الأساس لعلم أصول الفقه وشرائط الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس وبيان الناسخ والمنسوخ، ومراتب العموم والخصوم، كما حققه الرازي في مناقب الشافعي، والخطيب في تاريخ بغداد.
ثم اعتزم السفر إلى مصر فوصل إليها عام 199 هـ. وتوفي سنة 204 هـ وقد بلغ من العمر 54 عاما.
كلام الحافظ البيهقي رحمه الله : قابلت بتوفيق الله أقوال كل أحد الأئمة بمبلغ علمي من كتاب الله ثم ما جمعت من السنن والآثار في الفرائض والنوافل والحلال والحرام والحدود والأحكام فوجدت الشافعي أكثرهم اتباعا وأقواهم احتجاجا وأصحهم قياسا و أوضحهم إرشادا وذلك فيما صنف من الكتب القديمة والجديدة في الأصول والفروع بأبين بيان وأفصح لسان... مناطق انتشار المذهب الشافعي :
1- مصر : انتشر المذهب الشافعي بمصر لأن الشافعي أقام بها آخر حياته .. ومع أن المذهب الحنفي له سلطان لأنه مذهب الدولة العباسية ، والمذهب المالكي أيضاً لوجود تلاميذ الإمام مالك ، كان المذهب الشافعي ينازعهما السلطان في الشعب ، واستمر سلطانه في مصر حتى بعد أن غلبت الدولة الفاطمية عام 385هـ . يقول التاج السبكي(ت771هـ): (ومنهم أهل الشام ومصر ، وهذان الإقليمان وما معهما من عيذاب وهي منتهى الصعيد إلى العراق مركز ملك الشافعية منذ ظهر مذهب الشافعي اليد العالية لأصحابه في هذه البلاد ، لا يكون القضاء والخطابة في غيرهم ، ومنذ انتشر مذهبه لم يُوَلَّ أحد قضاء الديار المصرية إلا على مذهبه ) ولما آل الحكم إلى الأيوبيين عاد المذهب الشافعي إلى مصر بقوة ، وجعل له السلطان الأكبر في الدولة مع سلطانه الروحي في الشعب ، واستمر سلطانه مستمرا إلى عصر المماليك ، ولما استولى العثمانيون على مصر جعلوا للمذهب الحنفي المكان الأول ، ثم جاء محمد علي باشا(ت1265هـ) فألغي العمل بالمذاهب الأخرى غير المذهب الحنفي ، وبقي للشافعي والمالكي مكانهما في الشعب .. يقول ابن خلدون (ت808هـ) : (وأما الشافعي فمُقَلِّدُوه بمصر أكثر مما سواها) ويقول أحمد تيمور باشا (ت1348هـ) (ويغلب في مصر الشافعي والمالكي ، الأول في الريف ، والثاني في الصعيد والسودان) ويقول أحمد شلبي : (مذهب الشافعي هو مذهب الأغلبية الساحقة من سكان مصر) (ولا يزال يدرس المذهب الشافعي بحماسة في الجامع الأزهر)
2- الشام : ونقصد بالشام هنا (سوريا والأردن وفلسطين ولبنان) .. يقول التاج السبكي(ت771هـ) : (ولم يُوَلَّ في الشام قاضٍ إلا على مذهبه إلا البلاساغوني ، وجرى له ما جرى ، فإنه ولي دمشق وأساء السيرة ثم أراد أن يعمل في جامع بني أمية إماما حنفيا ، وجامع بني أمية منذ ظهور مذهب الشافعي لم يؤم فيه إلا شافعي ولا صعد منبره غير شافعي ) وأهل الشام كانوا على مذهب الأوزاعي في القضاء ، حتى ولي القضاء أبو زرعة الدمشقي الشافعي (ت302هـ) ، فانتشر المذهب بالشام . وحظي بدعم الأيوبيين والمماليك كما هو الحال في مصر ، مع ملاحظة أنه يقاسم المذهب الحنفي . ويقدر أحمد تيمور باشا نسبة الشافعية بنحو الربع من أهل الشام ، والآن توجد حركة ظاهرة في المساجد والمعاهد الشرعية لتدريس المذهب الشافعي بدمشق خصوصاً .
3- العراق : يقول التاج السبكي(ت771هـ) : (واعلم أن أصحابنا فرق تفرقوا بتفرق البلاد فمنهم أصحابنا بالعراق كبغداد وما والاها ) وقد تقدم أن هناك طريقة فقهية تسمى (طريقة العراقيين) . ومع ما للمذهب الشافعي من مكان عند أهل العراق لم يستطع أن يغالب المذهب الحنفي القضاء ، وفي السلطان عند الشعب ، حتى إن الخليفة القادر بالله(ت422هـ) ولى قاضيا شافعيا لبغداد ، فثار أهلها ، فاضطر الخليفة إلى إرضاء أكثر الشعب ، وعزل القاضي الشافعي ربما يعود ذلك لمقام الإمام أبي حنيفة في بغداد (الأعظمية) ..
4- كردستان : وهي المناطق التي يقطنها الشعب الكردي ، وهي منطقة كبيرة تمتد من شمال العراق ، وجنوب تركيا ، وشمال سوريا ، وغرب إيران ، وتصل إلى أرمينية والشيشان وداغستان ، وغالبيتهم يتبعون المذهب الشافعي ، ولهم جهود جليلة في خدمة المذهب . ومن أشهر أعلامهم : الشيخ العلامة محمد بن عبدالرسول البرزنجي (1103هـ) ومحمد بن سليمان الكردي (ت1194هـ) ومن متأخريهم الشيخ محمد أمين الكردي ، وللشيخ عبدالكريم المدرس (ت1428هـ) مفتي العراق السابق كتاب جمع فيه تراجم لعلماء الأكراد ومصنفاتهم سماه (علماؤنا) .
5- أرمينية : المذهب الشافعي هو المذهب الغالب على بلاد أرمينية لأن أغلب مسلميها من أصل كردي .
6- بلاد فارس (إيران): قال التاج السبكي (ت771هـ) : (ومنهم أهل فارس .. ولم يبرحوا شافعية أو ظاهرية على مذهب داود والغالب عليهم الشافعية وهي مدائن كثيرة قاعدتها شيراز .. ونحو مائة منبر - يعني مائة مدينة - في بلاد أذربيجان وما وراءها يختصُّ بالشافعية لا يستطيع أحد أن يذكر فيها غير مذهب الشافعي ) (وكفاك قول أصحابنا تارة : قال الخراسانيون ، وتارة قال المراوزة ، وهما عبارتان عندهم عن مَعْبَر واحد .. وكفاك بأبي زيد المروزي ، وتلميذه القفال الصغير ومن نبغ من شعابهما وخرج من بابهما) (ومنهم خلائقُ من بلاد أُخَرَ من بلاد الشرق [ أي شرق إيران حاليا ] على اختلاف أقاليمه واتساع مدنه : كسمرقند ، وبخارى ، وشيراز ، وجرجان ، والري ، وأصبهان ، وطوس ، وساوة ، وهمذان ، ودامغان ، وزنجان ، وبسطام ، وتبريز ، وبيهق ، وميهنة ، وأستراباذ ، وغير ذلك من المدن الداخلة في أقاليم ما وراء النهر ، وخراسان ، وأذربيجان ، ومازندران ، وخوارزم ، وغزنة ، وصحاب ، والغور ، وكرمان ، إلى بلاد الهند ، وجميع ما وراء النهر إلى أطراف الصين وعراق العجم وعراق العرب وغير ذلك .. وكل هذه كانت تحتوي على مدائن تقر العين وتسر القلب ، إلى حين قدر الله تعالى وله الحمد على ما قضاه خروج جنكزخان ، فأهلك العباد والبلاد ، ووضع السيف واستباح الدماء والفروج ، وخرَّبَ العامر ، ثم تلاه بنوه وذووه ، وأكدوا فعله القبيح وأطدوه ، وزادوا عليه إلى أن وصل الحال إلى ما لا يقوم بشرحه المقال ، واستبيح حمى الخلافة ، وأخذت بغداد على يد هولاكو بن تولى بن جنكزخان ، وقتل أمير المؤمنين وبعده سائر المسلمين ، ورفع الصليب تارة على جدران بني العباس ، وسمع الناقوس آونةً من بيوتٍ أَذِنَ الله أن ترفع ويُذْكَر فيها اسمه ، وانتهكت المحارم ، وخربت الجوامع ، وعُطِّلَتِ المساجد ، وخربت تلك الديار ، ومُحِيَت تلك الرسوم والآثار . ثم انقضَتْ تِلْكَ البلادُ وأهلُها فكأنها وكأنهم أحلامُ) قال ابن خلدون (ت808هـ) : (وقد انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النهر ، وقاسموا الحنفية في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار وعظمت مجالس المناظرات بينهم ، وشحنت كتب الخلافيات بأنواع استدلالاتهم ، ثم دَرَسَ ذلك كله بدروس المشرق وأقطاره ..) أثرت الحملة المغولية من قِبَل جنكيز خان وهولاكو.. حيث قام التتر بتصفية العرب وسلالاتهم من تلك البلدان ، وأبادوا الكثير من الفرس كذلك في بلاد ما وراء النهرين.... ثم نشأت الدولة الصفوية في إيران ، وقامت بفرض المذهب الجعفري الإثني عشري ، ودخلت في صراع مع الخلافة العثمانية ، ففرض العثمانيون المذهب الحنفي في شمال ووسط العراق (ما عدا جبال كردستان)، وفرض الصفويون المذهب الشيعي الإمامي في فارس وجنوب العراق ، وبذلك ضعف المذهب الشافعي في تلك البلاد ، مع بقاءه في الأجزاء الساحلية الجنوبية الغربية من إيران حاليا . يقول أبو زهرة : (وفي فارس هو الذي يجاور المذهب الجعفري) .. ومن آخر أعلام الشافعية في إيران الشيخ عبدالله بن حسن آل حسن الكوهجي(ت1400هـ) .
7- الحجاز : يقول التاج السبكي (ت771هـ) : (وأما بلاد الحجاز فلم تبرح أيضا منذ ظهور مذهب الشافعي وإلى يومنا هذا في أيدي الشافعية القضاء والخطابة والإمامة بمكة والمدينة ، والناس من خمسمائة وثلاث وستين سنة يخطبون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلون على مذهب ابن عمه محمد بن إدريس ، يقنتون في الفجر ، ويجهرون بالتسمية ، ويفردون الإقامة ، إلى غير ذلك ، وهو صلى الله عليه وسلم حاضر يبصر ويسمع ، وفي ذلك أوضح دليل على أن هذا المذهب صواب عند الله تعالى ) .
ويؤكد تقديم الشافعية في الحجاز الإسنوي(ت772هـ) حيث يقول : (فإن الشافعي رضي الله عنه وأرضاه ، قد حصل له في أصحابه من السعادة أمور لم تتفق في أصحاب غيره ، منها : أنهم المقدمون في المساجد الثلاثة الشهيرة ، ومنها : أن الكلمة لهم في الأقاليم الفاضلة المشار إليها ، وغالب الأقاليم الكبار العامرة ، المتوسطة في الدنيا ، المتأصلة في الإسلام ، وشعار الإسلام بها ظاهر منتظم ، كالحجاز واليمن ، ومصر ، والشام والعراق ، وخراسان ، وديار بكر ، وإقليم الروم ) ويشيد المستشرق الهولندي سنوك في مذكراته عن تاريخ مكة المكرمة كثيرا بنشاط علماء الشافعية بمكة في وقته ، وأن عدد العلماء الشافعية المدرسين بالمسجدالحرام يتراوح بين العشرين إلى الثلاثين مدرساً ، ويشير إلى أن المذهب الشافعي كان ذا نفوذ روحي قوي على المكيين ، مع كون العمل في القضاء على المذهب الحنفي مذهب الدولة العثمانية آنذاك .وهو ما يؤكد أحمد تيمور بقوله (ويغلب على الحجاز المذهب الشافعي والحنبلي) .
8- اليمن : يقول التاج السبكي(ت771هـ) : (ومنهم أهل اليمن والغالب عليهم الشافعية لا يوجد غير شافعي إلا أن يكون بعض زيدية ، وفي قوله ^ : (الإيمان يمان والحكمة يمانية) مع اقتصار أهل اليمن على مذهب الشافعي دليلٌ واضحٌ على أن الحق في هذا المذهب المطلبي) للإمام الشافعي صلة باليمن وطيدة وله إليها عدة رحلات ، ولكن انتشار المذهب الشافعي في اليمن كان في بداية القرن الخامس الهجري ، أي بعد استقرار المذهب ، وللأيوبيين دور كبير في نشر دعائم المذهب باليمن ، ولفقهاء الشافعية باليمن جهود مشهورة في خدمة المذهب، انتشر في مخلاف الجند وصنعاء وعدن وتهامة وحضرموت ، وصار مذهب الدول السُّنِّية التي حكمت اليمن والتي استقرت فيما يعرف باليمن الأسفل .
ويتبع له إقليم حضرموت (جنوب اليمن) الذي انتشر فيه المذهب الشافعي أواسط القرن السابع والذي يعد من أهم الأقاليم التي استمر بها مذهب الشافعي ، ويتميَّزُ مجتمعه بالالتزام التام بأحكامه إلى يومنا هذا ، وفي عهد الدولة القعيطية كتب مشروع قانون للمحاكم الشرعية مستمد بأكمله من المذهب الشافعي ، وتعد هذه ظاهرة فريدة تميز بهذا القطر . يقول المؤرخ السيد سقاف الكاف (ت1417هـ) : (وكانت جميع المحاكم الشرعية والنظم البلدية تأخذ أحكامها من هذا المذهب ، ولا يجوز للقاضي ولا غيره الخروج عن المذهب والانتقال إلى غيره مطلقا ، إلا في عهد السلطان صالح بن غالب القعيطي حيث أدخل على نظام التشريع والقضاء مسائلَ مختارة من المذاهب الفقهية الأخرى ، رأى أن المصلحة تقتضيها ، وذلك سنة 1341هـ ، وبقي الأمر على ذلك حتى عام 1392هـ ، حيث أسقط النظام الشيوعي في عدن التشريعات الإسلامية كافة واستبدل بها النظام الشيوعي) ، وهو الذي ينازع الشعب اليمني سلطان المذهب الزيدي مع كون الشافعية الغالبية العظمى
9- الأحساء : (المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية) انتشر فيها المذهب الشافعي وكذلك في دول الخليج العربي بشكل عام ، تبعا لبلاد فارس التي كانت حاضنة المذهب ، وبعد الغزو المغولي والحكم الصفوي هاجر كثير من الشافعية من بلاد فارس إلى دول الخليج المجاورة واستقروا بها ، ويعد إقليم الأحساء من أهم التمركزات للشافعية في الجزيرة ، واشتهر منهم مجموعة من العلماء .
10- عسير وتهامة : (جنوب غرب المملكة العربية السعودية) : يكاد يغشى المذهب الشافعي معظم المناطق بتهامة وعسير ، وهو المذهب السائد فيها إلى جوار المذهب الزيدي . 10- مملكة البحرين : المذهبان السائدان في البحرين ، المالكية والشافعية .
11- جنوب عمان (ظفار) : انتشر فيها المذهب الشافعي بحكم مجاورتها لحضرموت اليمن .
12- جنوب شرق آسيا : وتشمل (إندونيسيا ، ماليزيا ، الفلبين ، سيلان ، تايلاند ، وبروناي ) دخول المذهب الشافعي لتلك البقاع قديم ، رصد ذلك ابن بطوطة(ت779هـ) في رحلته حيث يقول : (ذكر سُلطان الجَاوَةِ ، وهو السلطان الملك الظاهر من فضلاء الملوك وكرمائهم، شافعيُّ المذهب ، محبٌّ في الفقهاء يحضرون مجلسه للقراءة والمذاكرة وهو كثير الجهاد والغزو ومتواضع يأتي إلى صلاة الجمعة ماشياً على قدميه ، وأهل بلاده شافعية محبُّون في الجهاد يخرجون معه تطوعاً ، وهم غالبون على من يليهم من الكفار) وهي المناطق التي دخلها المذهب الشافعي عن طريق هجرة الحضارمة الذين هاجروا إلى تلك الأماكن .. والأغلبية الساحقة من سكان تلك المناطق متمذهبون بالمذهب الشافعي ، ومنذ زمن قديم يرحل أعداد كبيرة من الطلبة الإندنوسيين لطلب الفقه الشافعي خصوصا إلى مكة وحضرموت ومصر ، ويعد هؤلاء من أهم المجتمعات التي تتبنى المذهب الشافعي نظرا لكثرة عددهم وعدم وجود مذهب آخر ينافس المذهب الشافعي ، ومن أشهر أعلامهم الشيخ محمد نووي الجاوي(ت1315هـ) ، والشيخ محفوظ الترمسي(1338هـ) .
13- جنوب الهند (مليبار): وهي الجزء الجنوبي الغربي من الساحل الهندي أغلب سكانه من الشافعية ، قدر عددهم بمليون مسلم وكانت لهم هجرات لطلب العلم إلى مكة المكرمة ، من أشهر أعلامهم الشيخ زين الدين المليباري(ت987هـ) صاحب « قرة العين» وشرحه «فتح المعين» .
14- السودان : ورغم أن المذهب المالكي هو السائد إلا أن بعض المناطق في شرق السودان كانت شافعية ، وقد يعود ذلك إلى تأثير الدول المجاورة بالاضافة إلى مكة واليمن.
15-الصومال وأريتريا وجيبوتي : انتشر المذهب عن طريق اليمنيين الذين هاجروا إلىها بحكم القرب ، وغالبية سكانها شافعية . رصد ذلك ابن بطوطة (ت779هـ) بقوله : ( وسافرت من مدينة عدن في البحر أربعة أيام، ووصلت إلى مدينة زيلع وهي مدينة البرابرة، وهم طائفة من السودان شافعية المذهب، وبلادهم صحراء مسيرة شهرين. أولها زيلع، وآخرها مقدشو) .
16-أثيوبيا (الحبشة) : وبها قسم كبير من الشافعية ، خصوصا في القسم الجنوبي منها المتاخم للصومال ، واشتهر منهم مجموعة من العلماء .
17 – السواحل الشرقية الإفريقية (تنزانيا – كينيا - أوغندا – جزر القمر-مدغشقر) : وصل المذهب الشافعي إلى تلك البلاد مبكرا في القرن الرابع الهجري تقريبا عبر اليمن ، ولا يزال المذهب الشافعي هو السائد في بلاد شرقي إفريقية اليوم . وقد رصد ذلك ابن بطوطة(ت779هـ) حيث يقول : (ثم ركبت من مدينة مقديشو متوجهاً إلى بلاد السواحل قاصداً مدينة (كلوا) من بلاد الزنوج ، فوصلنا إلى جزيرة مَنْبَسَى - وضبط اسمها ميم مفتوح ونون مسكن وباء موحدة مفتوحة وسين مهمل مفتوح وياء - وهي كبيرة، وهم شافعية المذهب) .
18- الشيشان : يسود المذهب الشافعي لدى المسلمين في منطقة القوقاز (الشيشان) ، بينما يشكل أتباع المذهب الحنفي الأكثرية لدى المسلمين في أعماق روسيا وسيبيريا .
19- داغستان : تقع بين جبال القوقاز وبحر الخزر ، وهي الآن من الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي ، وأهلها يتبعون المذهب الشافعي ، وكانت لهم هجرات لطلب العلم بمكة خصوصا في المرحلة الأخيرة من عمر المذهب ، من أشهر علمائهم الشيخ عبدالحميد الشرواني(ت1301هـ) صاحب الحاشية على «تحفة المحتاج».
20-تركستان الشرقية : كان الغالب عليها الشافعية ثم تغلب عليها الحنفية أيام العثمانيين .
21-الهند الصينية . 22-أستراليا . بعد هذا الاستعراض ، يتبين معنا المنطقة الجغرافية الواسعة التي ينتشر فيها هذا المذهب وكثرة معتنقيه في عصرنا الحالي ، وأن الدراسات التي تجعل من المذهب الشافعي هو ثالث المذاهب الإسلامية السنية من حيث الانتشار وأن نسبة معتنقيه يمثلون 15% من أهل السنة نسبة تحتاج لإعادة نظر ..
فعدد سكان جنوب شرق آسيا يتجاوز 234 مليون نسمة حسب أحدث الإحصائيات وتعد الدولة الرابعة على مستوى العالم من حيث عدد السكان بعد الصين والهند والولايات المتحدة ، ويشكل المسلمون فيها نسبة 88% تقريباً ، أي : 193 مليوناً كلهم يتبعون المذهب الشافعي . وهو ما يؤكده الشيخ محمد زاهد الكوثري(ت1371هـ) حيث يقول (وهو ثالث الأئمة الأربعة باعتبار الترتيب وثانيهم باعتبار كثرة الأتباع ، ولا سيما بعد أن سعى السادة الحضارمة في نشر المذهب في جزر جاوة والسواحل الهندية وتلك الأرجاء ) هذا والله أعلم !!!!