أجلس و مشاعر الخذلان تتخبطني .. أقلب النظر في ” الرحيق المختوم ” فأقرأ : (ما كنت أطيق أن املأ عيني منه إجلالاً له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت, لأني لم أكن املأ عيني منه ) _ هذه العباره قالها عمرو بن العاص – رضي الله عنه - و هو يعني بها حبيبه و حبيبنا ما أجمل القلوب الواثقة _ يغمرني اندهاش طفولي ^^ .. و يتراءى لي .. أني أشتم (رائحة عطر ) .. من عبارته (ما كنت أطيق أن املأ عيني منه) _ و لا ضير_ فحينما يكون الحب .. أخوياً ..إيمانياً .. صادقاً فلا شيء يدعوا إلى الخوف
و ترحل بي عذوبة طاغية و أنا أقرأ جملة أخرى في (سير أعلام النبلاء) .. يقول الزهري : ( كنت آتي عروة فأجلس ببابه مليا.. ولو شئت أن أدخل دخلت..فأرجع وما أدخل إعظاما له ) تأمل الثقة في التعبير : ( ولو شئت أن أدخل دخلت فأرجع وما أدخل إعظاما له ) _ و لا ضير فحينما يكون الحب .. أخوياً ..إيمانيا .. صادقا فلا شيء يدعوا إلى الخوف _ أعود لتلك الجملة .. التي تفيض طهرا .. و التي يوردها البخاري في صحيحه : ذُكر عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو .. فقال : ( ذاك رجل .. لا أزال أحبه ) – حسنا تأمل (ذاك رجل .. لا أزال أحبه ) ولا ضير فحينما يكون الحب .. أخوياً ..إيمانياً .. ربانيا ً و لا يكون لــ(فتات الدنيا) منه نصيب فلا شيء يدعوا إلى الخوف
اضع الكتب الثلاث جانبا .. ثم أعود لأقرأ تأويل ( الرؤيا الغابرة ) التي رأيتها في ليلة فاضلة من ليالي رمضان الفقيد .. ( كانت الرؤيا لزميلة حبيبة و هي تشرح لي تفسير آية تتحدث فيها عن عظمة الله بطريقة مدهشة بينما أترقبها أنا بامتنان, وأريد أن أجزل لها الشكر .. أولا و أسألها عن ذلك السبب .. الذي يجعل إيماني يزداد بصحبتها ثانيا و ما يردني عن السؤال إلا نظرة هادئة .. جامدة .. غامضة .. لا أستبين منها شيئا) وتأتي تفاصيل أخرى في الرؤيا - ليأتيني التفسير الملجم .. بعد أن ( تأخر المفسر في الرد ) .. و ليته لم يأت !!! يأتي هذا التأويل (المتأخر ) كثيرا.. و (الصائب) أكثر ليخرج ذلك (العتب) الموءود.. في ( مقبرة الكتمان) .. على مرأى ( العيان ) يأتي ليوقظ (إحساس الخذلان) .. من سباته .. بعد أن صَدَّقت (شائعة موته) .. و أقنعت عيني بأنه (هو) ووقفت حداد على (جثمانه المزعوم) - يأتي التفسير و ليته لم يأت, يقول الـمُفسر المبارك.. في تأويله للرؤيا : أعتذر لتأخري .. رؤياك ِتدل على : (أن هناك أشخاص مُقربين يحتاج أن تغيري أسلوبك, و تتعاملي معهم.. بـــ( رسـمية أكثر ) فبعضهم يفهم امتنانك .. بطريقة خاطئة!!! )
لم يكن ( ثمة جرم ).. ولا (مزيد بوح ) .. ليتمخض ذلك ( الفهم الخاطئ ) بأنه ثمة .. (قرب تزلف).. أو (رجاء مصلحة ) و لـم أشأ يوما أن ينال ( نزغ شيطان) و (وشاية حاسد) .. من (تعاضدنا الأخوي) و لا تمنيت قط .. أن يكون لحديث : (ويبقى بين الناس التناكر ..) مقام بيننا !! لتستحل هذه العلامة الصغرى لنفسها.. وأد صحبة كهذه !!! بل إني ما اصطفيت من أهل الأرض بدعائي أحدا.. بقدر .. ما اصطفيتها و لا سألت الله صحبة في الجنة.. بقدر ما سألته صحبتها و ما رفعت يدي بدعاء إلا سبق دعائي لها .. دعائي لنفسي - على قل تواصل بيننا – و انشغال بالدعوة .. مني ومنها - وقد ساءني والله ما حدث , و (وهن القلب مني ) .. لما كان لكن لعلها (إرادة الله) التي أراد, و حكمته التي أقتضى .
ليس لك .. أمام موقف كهذا.. إلا أن تتبع سياسة [ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا] و تستلذ (مرارة الصمت) ثم تجمع ما تبقى من (خيبة أمل) وتتغافل عن ( الغربة المستبدة ) التي تعصف بك و حسبك في ذلك أن ( تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل)
فإذا ما هدأ .. من الروح (الألم) والتم من القلب (الشعث) و عاودت سيرك الحثيث في دنيا التعب .. بما أعتدت من تجلد - فقف هنيهة .. وأنكص على عقبيك برهة و حاكم نفسك إلى قوله : ( ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ) ثم أمض في طريقك
و إذا ما قرأت يوما رواية ..أو خاطرة .. أو قصيدة .. تتحدث عن (الحب المشوه) ثم شعرت بغصة.. فلا تنهر نفسك..فما لـمثل هذا أن لا يجد إليك طريقا .. و نحن نرى هذا( الإحساس الإيماني الصادق ) .. ينحر بعنهجية في ( مجزرة الغربة )
نعم والله لم تفتأ الغربة .. تلف بردائها كل شيء جميل أفكارنا المورقة.. و مبادئنا النقية .. و أرواحنا المحلقة حتى استبدت و طغت, وعلى ( الحب ) تجرأت.. فأدنته .. و قربته.. ثم خانت .. فأدمته - و لسنا في ذلك .. بحاجة لــ(مزيد إثبات) فلأن نالت الغربة من (دين) منزل من السماوات ( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا) فما الــ(حب) عنها ببعيد. - و لأن كانت الغربة .. تضني بالروح فهي تستبد بالقلب ..و تفتك بالحب
و لقد تسائلت حين يأس هل بات (هذا الطهر) .. في (زمن الانحلال) .. ضربا من الاستثناء ؟! هل ستمُرُ بالحب (سنين عجاف) .. لا بشائر لــ(سـِمانٍ) بعدها كما يعيشه الحب في سنينه المتأخرة ؟! هل بات الحب الأخوي ( الــمُـعين على الحق) .. غريبا ؟!! وتواصلت التساؤلات حتى تراءت لي آيتان .. كافيتان شافيتان إحداهما في ( الكهف) .. و الأخرى في ( آل عمران ) فأقبلت الأولى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ..) و لحقت بها الثانية: (فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) فأما عن الأولى : فتذكرت تعليق ابن سعدي – رحمه الله – : ( ففيها الأمر بصحبة الأخيار) قلت لنفسي: ولن يأمرك الله ياهند إلا بما فيه خير لك ولقلبك. وأما عن الثانية : فيقول العلماء أنها أحد ( أسباب الثبات الخمس في آل عمران) فقلت في نفسي: و من منا .. يأبى الثبات ؟!! وإجمالا فإن التوجيه الرباني في هاتان الآيتان أثابني إلى رشدي فواصلت طرد مــ ( استوطن من يأس) في روحي بـما قاله د.مصطفى محمود: ( لو سألتم عن الحب .. أهو موجود ؟!! .. وكيف نعثر عليه ؟! لقلت : نعم موجود.. ولكنه نادر .. وهو ثمرة توفيق إلهي .. وليس ثمرة اجتهاد شخصي .. وشرط حدوثه : أن تكون النفوس خيرة أصلا .. جميلة أصلا، والجمال النفسي والخير .. هما المشكاة التي يخرج منها هذا الحب“ - أي جمال نفسي أكمل .. من جمال نفوس حرصت على قرب من ( كمل جماله ) ؟!! .. (إن الله جميل .. يحب الجمال ) و أي خير متجذر أشمل .. من قلوب عُمِرت بحب الخير والمسارعة له ؟!! .. ( وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) - لا أدري إذا كنت سأرضخ إلى (نصيحة الـمُـفسر) .. وسأضطر إلى (التكلف) مع صحبي على قلتهم!! لكن لعل الشيء الوحيد الذي ( أدريه) .. أني عدت لما عليه كنت فلا أرفع يدي بدعاء إلا سبق دعائي لها .. دعائي لنفسي – على انقطاع .. تواصل بيننا – فما كان لغير الله تنسفه أقل خصومه .. و ما كان لله فلئن (تقطعت الأواصر في الأرض يوما) فما ذاك إلا لأنها اتصلت بــ(أواصر بالسماء) .. يحملها صدق دعاء .. و ما لـ(دنو أرض)..إلى (علو سماء) .. من سبيل
اللهم إنا أحببناهم فيك .. و ما اقترابنا منهم .. إلا لأنهم قربونا إليك فأجعل هذا الحب .. لك قربة .. و لظلك يوم الحشر ضمانا .. و إلى جناتك دليلا هاديا اللهم آمين ..اللهم آمين ..اللهم آمين