أسعد الله أوقاتكم بكل الخير أحبائي أعضاء وزوار الأمل. إن المناخ بطبعه متقلب، فهو يتغير حسب زمان ومكان تواجدنا على هذه البسيطة، ففي كل سنة تتوشح الأرض بطبقة رقيقة من الجليد، وهذه الظاهرة المناخية تسمى الصقيع. الصقيع، الذي غالبا ما يكون خلال الساعات الأخيرة من الليل قبل شروق الشمس، يساعد على تكوينه صفاء الجو وخلوه من السحب وانخفاض درجة حرارة سطح الأرض والهواء إلى أدنى درجة حرارية؛ أي الصفر.
كما ترون فالصقيع يختلف عن الثلج، فظاهرة الصقيع أكثر انتشارا في العالم. حيث إن هذه الظاهرة تنتشر رقعتها جغرافيا لتشمل بعض البلاد التي تعرف مناخا حارا نسبيا وخصوصا في فصل الشتاء. وأحيانا يحدث الصقيع في فصل الربيع وعندها يكون مدمرا للمحاصيل الزراعية، خصوصا الخضر والفواكه لأنها لا تتحمل البرودة الشديدة، فانخفاض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر يسبب تكون الثلج في المساحات الموجودة داخل الخلايا، ويُخرج الماء من الخلايا ويتجمد خارجها وبذلك تموت الخلايا.
والسؤال هنا هو: كيف تحدث هذه الظاهرة؟ يحدث الصقيع عندما تنخفض درجة حرارة سطح الأرض إلى نقطة التجمد، لهذا إذا كان الهواء جافا كما هو الحال في المناطق الصحراوية، فإن درجة حرارته تكون بعيدة عن درجة الندى التي تكون في هذه الحالة دون درجة التجمد، وإذا استمرت درجة حرارة الهواء بالانخفاض ليلا حتى تصل إلى ما دون درجة التجمد، فإن بخار الماء يتكاثف مباشرة من الحالة الغازية إلى الحالة الصلبة على شكل بلورات صغيرة من الثلج فوق النباتات والأجسام الصلبة، وكذلك تتجمد المياه الموجودة في ثنايا التربة. وقد يحدث الصقيع حينما تنخفض درجة الحرارة إلى الحد الذي يضر بالنباتات المزروعة؛ إذ لا تتكون بلورات من الثلج، وإنما تنخفض درجة حرارة الهواء مما ينجم عنه انخفاض حرارة أوراق النباتات أو الأجسام الأخرى المعرضة للهواء إلى أن تصل إلى درجة الصفر أو أقل منها أثناء الليل، حيث تكون حرارة تلك الأجسام قد فقدت بالإشعاع.
ويمكن تصنيف الصقيع حسب طبيعة تشكله وزمن حدوثه والأضرار التي يسببها للنبات؛ فمثلا هناك الصقيع المتحرك، ويحدث عندما تتقدم كتلة هوائية باردة أو جبهة باردة على منطقة ما فينخفض معدل الحرارة اليومي كما تقل السعة الحرارية اليومية، وبسبب تجدد الهواء البارد باستمرار تصعب مقاومة الصقيع المتحرك، ومن حسن الحظ أن هذا النوع من الصقيع يحدث غالباً في الشتاء عندما تكون الأشجار المثمرة في طور السكون، وهذا ما يجعلها تتحمل درجات الحرارة المنخفضة، نظراً لتكرار الصقيع المتحرك شتاء، ويسمى أحياناً بالصقيع الشتوي أو الصقيع الأسود. ومهما اختلفت الأسماء فإن للصقيع آثار سلبية على النبات لأن أعضاءه الحديثة تتلف عندما يصيبها وتتلون باللون الأسود.
أما النوع الثاني فيسمى الصقيع الإشعاعي، ويحدث في الليالي الصافية والهادئة، حيث إن صفاء السماء ينتج عن قلة احتواء الجو على بخار الماء بأشكاله وأحجامه المختلفة، فتنخفض درجة حرارة سطح الأرض بسرعة، وإذا ما اقترنت هذه الظاهرة بسكون الرياح ازداد انخفاض حرارة سطح الأرض وطبقة الهواء القريبة منه مكونة بذلك طبقة من الهواء البارد مستقرة فوق الحقول، ويكون انخفاض الحرارة أكثر حدة خاصة في المناطق المنخفضة والأحواض المغلقة المحاطة بسفوح واسعة، وذلك بسبب تحرك الهواء البارد الملامس للسفوح وتجمعه في المنخفضات بفعل كثافته العالية نسبياً. في حالات الصقيع الإشعاعي تكون حرارة الهواء الملامس لسطح التربة أخفض من حرارة الهواء على ارتفاع مترين بحوالي ثلاث درجات مئوية، وتظهر على النباتات بلورات جليدية بيضاء، لذلك يسميه الفرنسيون بالصقيع الأبيض، وغالباً ما يحدث هذا النوع من الصقيع ربيعاً لذلك يسمى بالصقيع الربيعي. والصقيع الربيعي أشد خطراً من الشتوي بسبب حدوثه في فترة النمو، كما إن موعد حدوثه يترافق طور الإزهار للأشجار المثمرة.
كما هناك الصقيع الإشعاعي المتحرك، ويحدث هذا النوع من الصقيع عند ورود الكتل الهوائية الباردة الجافة الخالية من الغيوم، وغالباً ما يكون مرفوقا بالمرتفعات الجوية، وهو أشد أنواع الصقيع خطراً على المزروعات.
كما رأينا فهناك أنواع عدة للصقيع، وبقي لنا أن نتعرف على العوامل المساعدة على تشكل الصقيع، ويتعلق الأمر بطبوغرافية الأرض، فالصقيع يحدث أكثر ما يحدث في الوديان والمنخفضات، ذلك لأن الهواء الذي يتبرد بتماس مع الأرض، ويظل محصوراً لا يتجدد وينضاف إليه الهواء البارد القادم من السفوح والذي ينساب بعد تبرده بسبب زيادة كثافته وينحدر إلى الوديان، فيزيد من حدة الصقيع مما يجعل حدة الصقيع كبيرة في الوديان، وتتأثر شدة الصقيع في المنخفضات والوديان بمساحة السفوح المقابلة والتي يرد منها الهواء البارد.
كما إن لعامل الارتفاع عن سطح البحر وسطح التربة عامل أساسي في حدوث الصقيع، إذ تنقص درجة الحرارة بمعدل 0.6 درجة مئوية كلما ارتفعنا مئة متر عن سطح البحر، وهذه القيمة تساوي 0.98 درجة مئوية في الهواء الجاف والهواء الرطب غير المشبع، بينما في الهواء المشبع ببخار الماء فتساوي 0.4 درجة مئوية. وهنا يجب التفريق بين انخفاض الحرارة مع الارتفاع بشكل عام، وبين تغير الحرارة في الطبقة الجوية الدنيا والتي تعيش ضمنها النباتات، حيث تتغير الحرارة في الطبقة الجوية الدنيا ليلاً ونهاراً وفق نظام معقد خاص، إذ يلاحظ في ساعات الليل المتأخرة، وخاصة في ليالي الصقيع، أن الحرارة تزداد مع الارتفاع حتى بضعة عشرات الأمتار ثم تعود لتنخفض ثانية مع الارتفاع.
لابد أن الكثير منكم قد لاحظ بأن شدة الصقيع تزداد عندما تكون السماء صافية خالية من الغيوم، لهذا نجد أن الغيوم تحد من شدة الصقيع وذلك حسب كميتها ونوعها، فالغيوم الكثيفة التي تغطي السماء تقلل إلى حد بعيد من خطر الصقيع، إذ تعيد قسماً من إشعاع الأرض إليها ثانية فتحفظ حرارة الأرض، وقليلاً ما تؤثر الغيوم المرتفعة والمتفرقة في الحد من شدة الصقيع.
كما أن عامل الرطوبة له دور في تكون الصقيع؛ فبخار الماء الموجود في التربة والهواء يساهم في الحد من الانخفاض المفاجئ لدرجة حرارة الهواء أو التربة، فعندما يتجمد بخار الماء يطلق قدراً من الحرارة تخفض من حدة الصقيع وأحياناً تحول دون حدوثه، كما أن بخار الماء الموجود في الجو يحفظ حرارة الأرض ليلاً، إذ يقلل من إشعاع الأرض، ويزداد هذا الأثر كلما زاد بخار الماء في الجو.
ولسرعة الرياح أيضا دور كبير في حدوث الصقيع؛ فعملية الخلط الميكانيكية للهواء بين الطبقات الباردة الملامسة للسطح أثناء حدوث الصقيع الإشعاعي وبين الطبقات الأكثر دفئا التي تملؤها تقلل من خطر الصقيع الإشعاعي، ويحدث العكس في حالة الصقيع المتحرك؛ إذ تزيد الرياح من أضرار الصقيع المتحرك.
ومن العوامل المؤثرة أيضا في حدوث الصقيع حالة الأرض العامة، ففلاحة الأرض وحرثها تؤدي إلى زيادة المسامات في التربة، مما يقلل من نقلها للحرارة من الطبقات العميقة إلى الطبقات السطحية، لذلك ينصح بعدم فلاحة الأرض المعرضة للصقيع إلا بعد زوال خطر وقوعه، كما أن طبقات الهواء فوق الأرض العشبية أكثر برودة، لذلك ينصح بقص الأعشاب تحت الأشجار المثمرة للتقليل من خطر وقوع الصقيع على مستوى البراعم.
كما أن الكتل الهوائية الباردة وكذلك الجبهات الباردة في المنخفضات الجوية تؤدي إلى انخفاض عام في درجة الحرارة مما يزيد من خطر وقوع الصقيع بأنواعه، لهذا نجد أن الصقيع له تثير كبير على النباتات، إذ نجد أن النباتات تختلف في تحملها لدرجات الحرارة حسب أنواعها وأصنافها وأطوار نموها، أما بالنسبة للأشجار المثمرة فإنها تتحمل ما بين 3 و 1 درجة مؤوية، لهذا يكون للصقيع الأثر الكبير على النباتات أثناء فترة النمو، مما يفسر أن أكثر أعضاء النبات تضررا من الصقيع هي الجذور، وعقدة الطعم، وأسفل الساق وتفرعاته والبراعم، بحيث يتسبب الصقيع في تخريب البراعم والأنسجة خاصةً في الفروع الحديثة، وتكون قاعدة الساق من الأجزاء الأكثر تضرراً بسبب تجمع الهواء البارد بالقرب من سطح التربة، وكذا قمة الأغصان بسبب شدة ضياع الحرارة بالإشعاع، ويظهر أثر الصقيع على النباتات خلال الأسابيع الأولى من فترة نموها.
ها أنتم ترون بأن الصقيع يحدث أضرارا كبيرة على مختلف المزروعات، لهذا من البديهي أن يفكر كل حسب إمكاناته في التقليل من أضراره، وذلك بإزالة الأعشاب من البساتين المزروعة بالأشجار المثمرة، وكذا تغطية سطح التربة بالقش أو النشارة، وكذلك تغطية جذوع الأشجار والمغروسات حديثة السن بما يقيها من نوبة الصقيع، وأيضا استبدال زراعة المزروعات الحساسة للبرودة وخاصة في الأماكن المعرضة للصقيع بأخرى مقاومة لها، فهذه طرق تبدو بسيطة لكن نفعها كبير.