22.11.17 22:43 | جوهر النفس الإنسانيةرقم المشاركة : ( 1 ) |
عضو فعال
إحصائيةالعضو | | | عدد المساهمات : 636 | نقاط : 58942 | |
|
| موضوع: جوهر النفس الإنسانية جوهر النفس الإنسانيةبسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين النفس الإنسانية في حقيقتها تشكل واقع الإنسان وجوهره، خصيصته التي يتميز بها عن باقي المخلوقات الحيوانات، فما هي هذه النفس وما هو جوهر هذه النفس التي يمكن للإنسان أن يهذبها ويزكيها ويدربها على الفضائل الأخلاقية وأن يفتح أمامها الطرق إلى عالم الغيب، وفي نفس الوقت يمكن له أن يلوثها بالرذائل الأخلاقية والهوي إلى أسفل السافلين. ما هي حقيقة هذه النفس التي تؤكد الأحاديث والروايات الإسلامية على ضرورة معرفتها وعلى أن معرفتها هي الطريق إلى معرفة الله؟ هناك ما يقارب العشرين رواية منقولة عن الإمام علي عليه الصلاة و السلام بهذا المضمون منها: (من عرف نفسه فقد عرف ربه)، كما هناك أحاديث كثيرة وردت عن رسول الله بهذا المضمون أيضاً. القرآن الكريم أشار إلى حقيقة النفس الإنسانية بشكل مختصر فقد بيّن مثلاً أن النفس أمانة إلهية وإن لها قابلية غير محدودة على التفاعل والتقبل فهي تحركت على الصراط المستقيم متجهة نحو الكمال فإن تقبلها للصفات والخصال الحسنة والجيدة يكون بلا حدود وإذا انحرفت عن الصراط المستقيم فإن تقبلها للخصال القبيحة والسيئة يكون غير محدود أيضاً، وهكذا فإن النفس الإنسانية نفس غير محدودة في كلتا الحالتين؛ حالة الكمال وحالة الانحراف. * حوار الملائكة دار حوار في عالم الغيب بين الله سبحانه وملائكته أخبرهم فيه أنه سيجعل في الأرض خليفة له قال تعالى ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾ (البقرة/ 30) وعندما يقول سبحانه وتعالى ذلك فهذا يعني أنه يريد أن يخلق موجوداً في الأرض له استعدادات وقابليات غير محدودة في تقبل الصفات الإلهية حيث أن على الخليفة أن يقوم بدور المستخلف عنه، وعليه يجب أن يحمل هذا الخليفة قابليات من سنخ تلك الموجودة لدى المستخلف عنه أي غير محدودة، وبتعبير آخر فإنه يجب أن يكون ثمة تناسب بين الخليفة والمستخلِف. إن كلام الله سبحانه وتعالى مع الملائكة كان عن المخلوق الخليفة أي الإنسان الذي له قابلية لهذه الخلافة وآدم عليه السلام هو الإنسان الكامل الذي كان الخليفة فعلاً بفعل استثماره لكل قابلياته وإن قابليات آدم عليه السلام هي نفسها الموجودة في كل إنسان. في حوار الملائكة مع الله قالت الملائكة إن هذا الإنسان المستخلف في الأرض لا بد أن يكون من الأرض حتى يعيش عليها وهذه الأرض في المرتبة الدنيا من الخلق والمخلوق الذي ينتمي إلى الأرض هو مخلوق مشدود إليها وليس مشدوداً إلى الله تبارك وتعالى إذن هو سيكون في سعى دائب لنفسه وميوله السفلية الدنيوية لا المتجرة العلوية قال تعالى: ﴿قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك﴾ حيث تشير هذه الآية إلى عدم معرفة الملائكة لخصائص هذا المخلوق إذ إن الملائكة فهمت من الأرض من قوله تعالى: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾ أنه مخلوق سافل وخصائصه ليست بعيدة عن خصائص الأرض وطبيعتها لذلك استنتجت أنه سيكون مخلوقاً مفسداً بفعل تلك السفلية والأنانية التي ستحصل بسببها، هذا إلى جانب إدراكها بأن المخلوق الذي يمكن أن يكون خليفة لله يجب أن تكون له نفس قدسية علوية وهي غير موجودة في المخلوق الأرضي لذلك قدَّم الملائكة أنفسهم بقوله تعالى: ﴿ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك﴾. هنا يرد الله سبحانه وتعالى في ذلك الحوار بقوله: ﴿قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾ وهي إشارة واضحة إلى أن المخلوق الجديد ليس لكم علم بتركيبه وخصائصه ولذلك يقول تبارك وتعالى للملائكة في آية أخرى: ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذا سويّته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ (ص/71 و72) هذه الآية تقرر أن الله تعالى أطلعهم على سر التركيب وهو خليط من الأرض السفلية والروح العلوية من عالم الأمر ومن عالم الخلق وهذا فيه إشارة إلى أن خصائص هذه النفس مركبة من جذبتين أرضية دنيوية باعتبار الخلق من الطين الذي يشدها إليه وعلوية مجذوبة نحو عالم الغيب والملكوت باعتبار النفخ من روح الله تبارك وتعالى الذي له الأمر كله وإليه يرجع الخلق كله. إذاً فالملائكة لم تدرك خصائص نفس هذا المخلوق لا لشيء إلا لأنها هي دونه، لم تكن تعرف أنه من طين وروح يمكن أن يتسافل فيكون دون البهائم أو يتسامى ويتكامل فيكون فوق الملائكة قال تعالى: ﴿ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها﴾ (الشمس/ 7 و وطبعاً إنما خلق ليكون خليفة وليكون كاملاً لا ليكون سافلاً. لذلك كان الإنسان مؤهلاً لحمل الأمانة ولتعلّم الأسماء بل وتعليمها أيضاً والأسماء تعني حقائق الوجود وأسراره إذ الاسم علامة وسمه وكل الخلق أسماء الله بكل أحوالها ومراتبها وأمر الأمانة هو أمر الخلافة والسلطة وطبيعي أن يتعرف الخليفة على حقائق الوجود لذلك قال تعالى: ﴿وعلَم آدم الأسماء كلها﴾. أما الأمانة فقد قال تعالى: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً﴾ (الأحزاب/72)، إن هذه الأمانة هي أمانة الخلافة التي لم يرع فيها الإنسان شرائطها مع شرفها وعظم شأنها وحقها وهو أمر في منتهى الجهالة والظلم للنفس بل هو عين الجهولية والظلومية. نعم لو إن الإنسان أدرك أن جبلة نفسه تخمرت بنفخ الروح لتكون مرآة تتجلى فيها خلافة الله لما قصّر وأهمل ولكنه أخلد إلى الأرض وسجنها فعاد ظلوماً جهولاً. * مشكلة الإنسان إنه أسير الغرائز الحيوانية يتحدث القرآن الكريم عن رجل من بني إسرائيل اسمه بلعم بن باعورا وكما يذكر القمي في تفسيره عن الإمام الرضا عليه السلام إن الله سبحانه أعطاه الإسم الأعظم فكان يدعو به فيستجاب له قال تعالى: ﴿واتلُ عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان منالغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه﴾ الأعراف 175/176 هاتان الآيتان تحكيان قصة الإنسان وإن له من الاستعدادات والقابليات بحيث يستطيع أن يبلغ مراتب عليا في عالم الملكوت ليحصل على كرامة عالية عند الله ولكن بشرط أن يترك هواه ويبتعد عن الشهوات الحيوانية ولا يكون أسير المغريات الدنيوية وإلا فإنه لن يستطيع أن يحلِّق في ذلك العالم المحيط والمهيمن على هذا الوجود الدنيوي السفلي لذلك يقول القرآن الكريم ولو شئنا لرفعناه بها أي لأوصلناه إلى حيث يريد ويسعى ولكنه أطاع الشيطان وتراجع إلى الأرض واتبع هواه حيث أصبحت الأرض وأصبح الهوى هما ربا هذه النفس. ولو أن النفس توجهت شطر ربها لوصلت حتماً إلى كمالات وسعادات عظيمة فالذي يمنعها من العروج إلى ذلك العالم إنما هو التثاقل إلى الأرض. * عبدي اطعني تكن مثلي لو أن الإنسان توجه إلى الله جل وعز وأقر من أعماق قلبه بالعبودية له سبحانه فأثر طاعته جل شأنه على طاعة الشيطان والآخرة على الدنيا لبلغ بنفسه مرتبة المطيعين الذين يقولون للشيء كن فيكون. يذكر التاريخ كما يروي الشيخ عبد الله المامقاني وقد كان من أعاظم مراجع الشيعة في زمانه أن رجلاً من أهل الكوفة يذكر بأنه قد جاءني جابر بن عبد الله الأنصاري فقال أنا وأنت ننوي التشرف هذا العام بالحج إلى بيت الله الحرام وفي نيتي أنا أن أعرِّج على بيت الإمام محمد الباقر عليه السلام لزيارته ثم قال لي هل تريد أن نذهب الآن؟ فقلت لكني غير مستعد كما أن موسم الحج ليس الآن فقال هل ترغب أن نزور الإمام فقط ونعود قلت بالطبع أنا أرغب في ذلك فقال جابر إذن أعطني يدك ولم تمضِ لحظة حتى رأيت نفسي في المدينة المنورة نظرت حولي فلم أرَ جابراً فقلت في نفسي أحقاً أنا في المدينة أم هذا حلم ثم فكرت أن أثبت مسماراً في الحائط علامة لي لموسم الحج عندما أعود إلى المدينة ثم يقول مشيت في أزقة المدينة متجهاً إلى زقاق الهاشميين حتى وصلت إلى بيت الإمام عليه السلام طرقت الباب وإذا بصوت جابر ينادي من الطارق؟ فتح الباب ودخلت على الإمام الباقر عليه السلام وعندما استأذنت للمغادرة خرجت مع جابر فقال لي جابر الآن ماذا تريد قلت أريد العودة إلى الكوفة فأخذ جابر بيدي ونطق بكلمة واحدة وهي كن فسمعت الكاف في المدينة والنون في الكوفة. * الذي عنده علم من الكتاب في القرآن الكريم قصة في منتهى الطرافة يقودها الهدهد ويشارك فيها من هذه الجهة معه النبي سليمان عليه السلام وبعض عفاريت الجن وآخر ممن عنده علم من الكتاب قال سليمان عليه السلام لمن حوله من يأتيني بعرش بلقيس من سبأ إلى هنا " بيت المقدس" ﴿قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر﴾ (النمل/40 والمراد بالعلم هنا بعبارة إجمالية هو حقيقة من حقائق عالم الأمر التي يتحدث عنها القرآن الكريم بصوَر مختلفة والتي لا يمكن الحصول عليها إلا بالتوجه بدل العبودية إلى عز الربوبية وهنا لا بد من الإشارة إلى أن روح العبادة هي العبودية لذلك فإن العبادات وخاصة الصلاة التي هي عمود الدين هي معراج النفس نحو عالم الأمر والملكوت. |
| |